لا يوجد دين أو تشريع اعتنى بالمرأة وأولاها مزيدا من الرعاية والاهتمام كما فعل دين الله الإسلام , فالنساء في الإسلام شقائق الرجال , وقد جعل الله تعالى الذكر كالأنثى في أصل الخلقة والتكليف وقبول الطاعات والمثوبة على الصالحات , قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات/13 , وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } النساء/124
ومن شدة اهتمام خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم بالفتاة المسلمة جعل حسن تربيتها وبذل الجهد في رعايتها وتنشئتها على مكارم الأخلاق ومبادئ وضوابط دين الله الإسلام وسيلة لمرافقته صلى الله عليه وسلم في الجنة , ففي الحديث الصحيح عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : ( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ ) . وَضَمَّ أَصَابِعَهُ . صحيح مسلم برقم/6864
ليس المقصود بالعول هنا مجرد الإنفاق عليهما فحسب , بل تربيتهما وحسن رعايتهما وتنشئتهما على أوامر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , قال النووي في شرحه للحديث : أي قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما مأخوذ من العول وهو القرب ومنه ابدأ بمن تعول . شرح النووي على مسلم 16/180
ومع الاعتراف بدور الوالدين الأساسي في التنشئة الصالحة والرعاية والتربية الحسنة ….إلا أن ذلك لا ينفي دور المسجد والمؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية الرديف المكمل الذي لا يمكن الاستهانة بأهميته ومدى فاعليته في المساهمة بإخراج جيل صالح ذو دين وأخلاق ونفع لنفسه ولمجتمعه .
كثيرة هي الجهود التي تبذلها المؤسسات الدعوية بالمملكة العربية السعودية تجاه الفتيات , والتي تشير إلى وجود اهتمام ملحوظ بتعليم فتيات بلاد الحرمين أمور دينهن وتبصيرهن بكنوز وجواهر كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم وتأهيلهن ليصبحن داعيات إلى الله في المستقبل القريب .
ضمن هذا السياق يمكن قراءة ما أعلن عنه “معهد النجاح للسنة النبوية” الذي تشرف عليه الدكتورة رقية المحارب، حيث أطلق المعهد برنامج “غرس النجاح” لصيف هذا العام 1438هـ ضمن برنامج “غرس” , والذي يستهدف فئة الفتيات من عمر 6 سنوات إلى 17 سنة، ويشمل منظومة علمية من القرآن والسنة، وثلاث برامج مستقلة كل برنامج يشمل 3 مستويات.
البرامج الثلاثة تتوجه لثلاث فئات : الأولى “براعم من 6 – 9سنوات” . الثانية أفانين “من 10 إلى 14 سنة” . الثالثة إكليل “من 15 – 16 سنة” ….. يبدأ البرنامج من 22 شوال، ويستمر حتى 10 من ذي القعدة، من الساعة السابعة إلى الحادية عشر والنصف صباحا، ويبدأ التسجيل خلال الفترة من 16 إلى 18/10/1438هـ .
لم يكن برنامج “غرس النجاح” هو الوحيد الذي أطلقه المعهد فهناك برامج أخرى تم إطلاقها العام الماضي أبرزها “يوم المنبر” الذي يعتبر برنامجا إبداعيا تنافسيا للإلقاء، مخصصا للفتيات الراغبات بصقل مواهبهنّ ومهاراتهنّ في الإلقاء , مع عدم إغفال منح الفائزات المتفوقات جوائز تشجيعية .
مكاتب الدعوة بمحافظات وأحياء المملكة لم تغفل عن دورها بالاهتمام بفتيات بلاد الحرمين دعويا من خلال إطلاق بعض البرامج الخاصة بهن , فتحت عنوان “إعداد الداعيات” أطلق المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالمعابدة برنامجا يهدف إلى تأهيل فتيات بلاد الحرمين لتقوم بدورها كبنت وأخت و زوجة و أم فتربي أبناءها وتدعو غيرها بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
رسالة البرنامج الذي يسعى لإعداد فتيات قادرات على توعية الجاليات والمعتمرات ونشر تعاليم الدين الحنيف بصورة صحيحة بعدة لغات …..انطلق من إدراك أهمية بناء الفتاة المسلمة بناء إسلاميا ودعويا صحيحا فهي مربية الأجيال والرجال إذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله .
لم يكتف المكتب الدعوي بمثل هذه البرامج التي تهتم بالفتيات على وجه الخصوص , بل افتتح مركزا خاصا بهن باسم “مركز خديجة بنت خويلد لحفظ الصحيحين وتأهيل الداعيات” , والذي يعنى بتدريس وحفظ الصحيحين كدبلوم لمدة سنتين مع دورات في فنون الدعوة إلى الله .
لا شك ان هذه الجهود الدعوية تجاه فتيات بلاد الحرمين دعوة وتعليما وتوجيها وتربية هي في الحقيقة محمودة ومشكورة , إلا أنها لا ترتقي لمستوى التحديات التي تواجه بلاد الحرمين ولا لحجم الهجمة الشرسة التي تسعى جاهدة لتغريب المرأة المسلمة عموما والسعودية على وجه الخصوص .
ومن هنا لا بد من القول : إن فتيات بلاد الحرمين ونسائها بحاجة إلى المزيد من أمثال ما سبق من الجهود الدعوية وأضعاف تلك البرامج التأهيلية التعليمية والتوعوية , فالجهات التي تسعى لإفسادها وحرفها عن عفتها وحشمتها والتزامها بدينها أخطر مما يظن البعض ويتوقع .