اضطر الكثير من السوريين لترك بيوتهم وقراهم وشامهم بسبب شدة القمع والإرهاب الذي واجه به النظام النصيري ثورتهم المباركة بدعم من الروس والصفويين ، وانطلق الكثير من أهل الشام في أنحاء الأرض هربا من الموت والحصار والجوع والتعذيب الذي يمارسه زبانية الأرض ضدهم ، يبحثون عن مكان آمن لهم ولأبنائهم ، وأرض يستطيعون فيها العيش بكرامة .
طاف السوريون وطرقوا أبواب معظم دول المعمورة ، و وصلت بعض العائلات السورية إلى مقاطعة “يوكون” الكندية الواقعة في القطب الشمالي ، ناهيك عن وصول الآلاف منهم إلى دول القارة العجوز والولايات المتحدة الأمريكية ودول شرق وجنوب آسيا .. إلخ
كان من الطبيعي أن تقصد النسبة الأكبر من المهجرين السوريين الدول المحيطة بوطنهم الأم سورية ، وكذلك الدول العربية والإسلامية التي تجمعهم بها روابط العقيدة والدين واللغة ، وتربطهم مع شعوبها الكثير من الروابط الاجتماعية والثقافية وغيرها
وبطبيعة الحال كانت السعودية ضمن أولى الدول التي قصدها السوريون للعيش فيها بشكل مؤقت ريثما يستطيعون العودة إلى بلدهم وبيوتهم ، يدفعهم إلى تفضيلها عن سواها الكثير من الأسباب والمزايا ، لعل أهمها وأبرزها وجود الحرمين الشريفين ومناسك الحج والعمرة في ربوعها في المقام الأول ، بالإضافة لسمة الالتزام بأحكام الإسلام والمحافظة على تطبيق أوامر الدين التي تشتهر به المملكة حكومة وشعبا ، ناهيك عن الاحتضان والدعم المادي والمعنوي الذي لقيه السوريون من أبناء بلاد الحرمين .
كثيرة هي الوسائل والطرق التي دخل بها السوريون أراضي المملكة بشكل نظامي ثم استمروا في البقاء فيها بشكل استثناني بعد غض الطرف عنهم وتقديم بعض التسهيلات لهم من قبل السلطات بشكل خاص نظرا للظروف التي تمر بها بلادهم ، والتي تشهد حربا ما زالت مستمرة منذ أكثر من ست سنوات .
تأشيرة الحج أو العمرة كانت من أبرز تلك الوسائل ، حيث لجأت الكثير من العائلات السورية إلى هذه الطريقة بعد أن علموا أن هناك تفهما من الحكومة السعودية فيما يتعلق باستمرار بقائهم في المملكة بعد انتهاء مدة صلاحية تلك التأشيرة ، وإمكانية تسوية أوضاعهم فيما بعد بشكل أو بآخر .
وبالإضافة لتأشيرة الحج والعمرة هناك تأشيرة زيارة أحد الأقارب والأرحام ، والتي كانت المملكة توافق على طلبات من هذا النوع بشكل واسع وكبير ودون شروط في البداية ، ولكنها ما لبثت أن حصرت الموافقة على الطلبات المقدمة لزيارة الأقارب من الدرجة الأولى فقط (أب، أم، أم الزوجة، أطفال تحت سن 18) .
ضمن هذه النطاق كشف مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية عن أعداد السوريين الذين استقبلتهم السعودية بالوسائل والطرق السابقة قائلا : إن بلاده استقبلت ما يقارب 2.5 مليون مواطن سوري منذ اندلاع الأزمة في سوريا، وذلك فيما أسماه توضيحا “لجهود المملكة بالحقائق والأرقام ردا على تقارير إعلامية وما تضمنته من اتهامات خاطئة ومضللة عنها” ، مؤكدا حرص بلاد الحرمين على عدم التعامل معهم كلاجئين حفاظا على كرامتهم وسلامتهم .
واعتبر المسؤول أن السعودية لم ترغب في الحديث عن “جهودها في دعم الأشقاء السوريين في محنتهم الطاحنة”، لأنها ومنذ بداية الأزمة تعاملت مع هذا الموضوع من منطلقات دينية وإنسانية بحتة، وليس لغرض التباهي أو الاستعراض الإعلامي .
لا يمكن إنكار ما قدمته المملكة أيضا من تسهيلات لقبول الطلاب السوريين في مدارسها الحكومية النظامية ، وضمن هذا النطاق كشفت وزارة التعليم السعودية عن أعداد الطلبة السوريين المسجلين في مدارس المملكة منتصف العام الماضي ، حيث أكدت أن عددهم وصل إلى 257 ألف طالب وطالبة .
ولعل من ضمن أهم التسهيلات التي قدمتها المملكة للطلاب السوريين خلال السنوات الماضية، هي إتاحة الفرصة للذين لا يستطيعون تصديق الوثائق الدراسية منهم بالاكتفاء بصور منها ، لتحديد مستواهم الدراسي ، وتوجيههم للصف المناسب لسنهم ومستواهم .
يواجه السوريون المقيمون في السعودية الآن بعض المشاكل والصعوبات التي يأملون أن تجد سلطات المملكة لها حلا ، ويناشد الكثير من الناشطين والإعلاميين السوريين أن يتدخل المسؤولون الكبار في بلاد الحرمين لعلاجها .
أولى تلك المشاكل هي خطر الترحيل من المملكة للمخالفين الوافدين إلى أراضيها ، خصوصا بعد إطلاق السلطات السعودية لحملة “وطن بلا مخالف” في نهاية مارس/آذار الماضي ، والتي تشمل المتأخرين عن مغادرة المملكة ممن دخلها بموجب تأشيرة حج او عمرة أو زيارة أو عبور …… حيث يأمل السوريون أن لا يكونوا مشمولين بهذه الحملة نظرا للظروف التي تمر بها بلادهم ، ولندرة الدول التي يمكن أن تستقبلهم دون تأشيرة دخول .
ومن ضمن المشاكل التي تواجه السوريين في المملكة أيضا صعوبة الحصول على الإقامة اللازمة لمزاولة العمل أو فتح حساب مصرفي أو الحصول على رخصة قيادة أو ما شابه من ضروريات الحياة وتأمين لقمة العيش ، وهو ما يأمل السوريون هناك أن تتعامل معه سلطات المملكة بمزيد من التسهيلات .
ولعل مشكلة وقف قبول الطلاب السوريين في المدارس أضحت مؤخرا من أهم ما يؤرق المقيمين في المملكة من أهل الشام ، حيث نقلت بعض وسائل الإعلام السعودية نبأ إصدار وزير التعليم السعودي أحمد العيسى قرارا بوقف العمل بقبول الطلاب السوريين واليمنيين في مدارس المملكة الذي كان معمولا به سابقا .
وحسب المصدر فإن التعميم الوزاري الذي صدر في يناير من العام الجاري نص على الاكتفاء بالملتحقين حاليًا من الطلاب السوريين واليمنيين ، وإيقاف العمل بالتعميمين الوزاريين اللذين نصّا على قبول السوريين حاملي تأشيرات الزيارة الذي صدر عام 2012م ، وقبول الطلاب من اليمنيين، الذي صدر عام 2015م .
ووفق هذا القرار الوزاري لن يستطيع حاملو تأشيرة الزيارة من الطلاب السوريين التسجيل في مدارس المملكة الحكومية بعد اليوم .
يتوقع السوريون المقيمون في السعودية حاليا أن تذلل لهم سلطات المملكة تلك العقبات ، وأن تمنحهم المزيد من التسهيلات ، اتساقاً مع ما هو معروف لدى السعوديين من تلبية نداء النخوة والمروءة ونصرة المستضعفين ، ومن قبل بدافع أخوة العقيدة والدين التي توجب على المسلم نصرة أخيه في وقت البلاء والمحنة .