لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تكون حجم المؤامرة العالمية على الثورة السورية بهذا الشكل الفج و المشين , كما لم يكن أحد من السوريين يتخيل أن يكون مقدار التنكر له والتنصل من أدنى درجات المسؤولية عن أمنه وأمن أهله وأسرته وأطفاله , وتأمين ما يحفظ حياته وحياتهم من أقرب الناس إليه ….بهذا الشكل الصاعق الأليم .
لا يشمل الكلام هنا الجانب السياسي والدعم المادي والمعنوي التي من المفترض أن تقدمه حكومات الدول العربية والإسلامية للثورة السورية لمواجهة المشروع الصفوي الذي كشف عن أطماعه التوسعية وعدائه المعلن لدول المنطقة بعد وقوفه بشكل وقح مع النظام النصيري ضد ثورة أهل الشام…..فهو وإن كانت بعض الدول قد قامت به مشكورة , إلا أن مواقف بعض الدول الأخرى كانت على النقيض من ذلك تماما .
وإنما الحديث هنا يتناول الجانب الإنساني والإغاثي , وواجب المسلم تجاه أخيه المسلم في وقت الازمات والملمات والمحن , وما ينبغي أن تقوم به الدول العربية والإسلامية تجاه اللاجئين السوريين الذين شردتهم آلة القتل النصيرية الصفوية الروسية , وعملت على تهجيرهم من بيوتهم وأرضهم بشكل ممنهج لإحداث تغيير ديمغرافي في عاصمة الأمويين .
لم يكن إغلاق معظم الدول العربية لحدودها في وجه اللاجئين السوريين بعد مرور سنوات من انطلاق ثورتها المباركة حتى لم يبق إلا النادر منها من يسمح لهم بالدخول إلى أراضيها دون تأشيرة دخول هو التعبير الوحيد عن تخلي الكثير منها عنهم , فهناك المنع من ممارستهم المهن والأعمال داخل بعض المدن العربية رغم امتلاك السوريين للوثائق والشهادات التي تثبت أهليتهم لمزاولة تلك المهن والأعمال , بالإضافة لحرمان بعضهم من الحصول على إقامة تمكنهم من السفر إلى الخارج والعودة , ناهيك عن تعقيد وعرقلة الكثير من الإجراءات المتعلقة بحياتهم اليومية .
آخر ما لم يكن السوريون يتوقعونه من حكومات بعض الدول العربية هو ترحيلهم من دولة عربية إلى حدود أخرى وتركهم عالقين هناك بالعراء يلتحفون السماء ويفترشون الأرض في ظروف إنسانية وصفها بعض شهود العيان والناشطين في مجال حقوق الإنسان بأنها “مزرية” .
نعم….لقد تم توثيق ترحيل الحكومة الجزائرية لعشرات اللاجئين السوريين من أراضيها إلى الحدود مع المغرب , في خطوة وصفتها حكومة المغرب بأنها ليست الأولى من نوعها , حيث تم تسجيل مثل هذه التصرفات في فترات سابقة حسب بيان رسمي صدر عنها أمس .
وفي الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 50 لاجئا سوريا أوضاعا إنسانية صعبة للغاية جراء هذه المحنة الجديدة , حيث يوثق حسن العماري المسؤول في مجموعة “هاتف الإنقاذ” الدولية العاملة في مجال الهجرة شيئا من صور هذه المأساة الجديدة التي حلت باللاجئين السورييين …لا يرى المتابع تحركا على الأرض لإنهاء هذه المأساة .
أما الحكومة المغربية فقد اكتفت بالاحتجاج على هذه الخطوة بإصدار البيانات واستدعاء السفير الجزائري بالرباط أمس السبت للتعبير عن ذلك , وباعتبار المنطقة التي يتواجد فيها اللاجئون السوريون في منطقة التماس مع الجزائر منطقة عسكرية , وبمنع هؤلاء اللاجئين من التسلل إلى مدينة “فكيك” المغربية , ناهيك عن منع المواطنين المغاربة من الاقتراب من منطقة تواجد السوريين لكونها منطقة حدودية !!!
من جهتها تجاهلت الحكومة الجزائرية الاتهامات المغربية لها بترحيل اللاجئين السوريين قسرا من أراضيها إلى الحدود المغربية والتزمت الصمت حيالها , بينما قالت صحيفة “الفجر” اليومية في عددها الصادر اليوم الأحد : إن بيان الخارجية المغربية بشأن اللاجئين السوريين ليس إلا من قبيل المتاجرة بمأساة هؤلاء حسب وصفها .
وأضافت الصحيفة أن اتهام المغرب للسلطات الجزائرية بمحاصرة 55 من المواطنين السوريين على مستوى الحدود المغربية – الجزائرية القريبة من مدينة فكيك، بعد وصولهم على شكل أفواج منذ ليلة 17 (أبريل) الجاري، بأنه “تصريح غير معقول ينم عن وجود عداوة وضغينة يكنها المغرب للجزائر .
وسط هذا الجو المشحون بتبادل الاتهامات بين البلدين يدفع اللاجئون السوريون فاتورة خلافات لا ناقة لهم فيها ولا جمل , وتزداد هذه الفاتورة فداحة إذا أضفنا إلى تقاعس البلدين عن احتضان هؤلاء المنكوبين وإيوائهم ومد يد العون لهم …..تقاعس المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان , حيث أكد الناشط حسن العماري أنه تم إخبار المفوضية العليا للاجئين والمنظمة العالمية للهجرة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية بوضع هؤلاء اللاجئين ، ولكن للأسف لم تتحرك هذه المنظمات من أجل معالجة هذه الحالة، وبقيت في موقع المتفرج !!!
كثيرة هي تداعيات أمثال هذه النماذج السلبية من صور تخلي بعض الحكومات العربية والإسلامية عن اللاجئين السوريين , لعل أهمها : تسديد ضربة جديدة على رابط إخوة العقيدة والدين واللغة الذي ينبغي أن يكون دافعا لتلك الحكومات لاحتضان السوريين في بلادهم وإكرامهم , والذي يعمل أعداء الإسلام منذ زمن على محاولة إزالته من قاموس العلاقة بين الدول العربية والإسلامية الشقيقة , ناهيك عن أن هذا التخلي كان وما زال سببا رئيسيا في ركوب الكثير من السوريين للبحر والمغامرة بحياتهم وحياة ذويهم أملا في الوصول إلى دول القارة العجوز التي أظهرت الكثير من دولها وجهها الحقيقي العنصري للاجئين .