لم تعد حقيقة وجود علاقة وطيدة تصل إلى حد التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وجميع أذرع إيران في المنطقة بحاجة إلى دليل أو برهان , فالواقع يشهد بذلك رغم محاولة العم سام بالتظاهر بعكس ذلك , في ظاهرة نفاق معهودة وليست بجديدة على السياسة الأمريكية .
فمع تظاهر ساسة أمريكا بوقوفهم بالتصريحات إلى جانب الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف العربي الذي تقوده المملكة السعودية , إلا أن سلوكهم وأفعالهم تؤكد أنهم مع الانقلابيين الحوثيين وقوات المخلوع صالح , ويكفي دليلا على ذلك موقف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المنحاز بشكل صارخ وفاضح إلى الحوثي منذ يومين .
فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية على لسان وزيرها جون كيري من مسقط عن إتمام اتفاق بين جماعة الحوثي والحكومة اليمنية والتحالف العربي يتضمن وقفا لإطلاق النار باليمن ابتداء من الخميس “أمس” ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية…. دون موافقة أو حتى علم الحكومة اليمنية الشرعية !!
وقال “كيري” من العاصمة العمانية مسقط : إن أطراف الأزمة اتفقوا على وقف الأعمال القتالية في اليمن اعتبارا من 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري , مشيرا أن جميع الأطراف اتفقت أيضا على العمل من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية يمنية بحلول نهاية العام.
من جهتها باركت إيران على الفور هذا الاتفاق المزعوم و رحبت به , وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الايرانية ” بهرام قاسمي ” في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “ارنا” : ان طهران ترحب باي مصالحة سياسية وتحقيق وقف إطلاق النار بشكل شامل يؤدي الي احلال السلام في اليمن حسب وصفه .
في مقابل ذلك نفت الحكومة اليمنية الشرعية على لسان وزير خارجيتها “عبد الملك المخلافي” هذا الأمر , مشيرة بأن كيري لم يتواصل مع الحكومة قبل هذه التصريحات، وأن الحكومة الشرعية لم تبرم أي اتفاقات ولا تعنيها أي عملية بعيدة عن الأمم المتحدة ووفق المرجعيات المتفق عليها سابقا.
وأبدى الوزير اليمني استغرابه من تصريحات كيري واصفا إياها بـ “المثيرة للاستغراب” مؤكدا أن الحكومة اليمنية لم تُدع إلى أي اجتماع ولم تُبلغ بأي شيء، كما أكد رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر نفي علمه بالاتفاق الذي تحدث عنه الوزير الأميركي .
وأمام نفي الحكومة الشرعية في اليمن علمها بالاتفاق الذي أعلن عنه كيري , اضطرت الخارجية الأمريكية لتدارك الأمر بإيفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي “تيم ليندر” والسفير الأميركي لدى اليمن “ماثيو تولر” للقاء الرئيس اليمني هادي في الرياض أمس الخميس وتقديم الاعتذار له عما جرى .
اللافت في الأمر والذي يشير بشكل أو بآخر إلى وجود علاقة حميمية بين أمريكا والحوثي هو : تواصل وزير الخارجية الأمريكي بنفسه مع وفد الحوثي , ومسارعته للإعلان عن وجود اتفاق دون أخذ رأي الحكومة الشرعية أو حتى إطلاعها على بنود الاتفاق وتفاصيله ….. في حين أوفدت الخارجية الأمريكية نائب وزير الخارجية وسفيرها باليمن للقاء الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي لتوضيح الأمر وتقديم الاعتذار !!!!
ثم إن تزامن إعلان الاتفاق مع تقدم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية اليمنية على الأرض ضد الحوثيين يؤكد مسألة تكرار تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ الحوثي في كل مرة يكون فيها الأخير مهزوما ويحتاج إلى هدنة لإعادة تأهيل مليشياته والعودة للقتال من جديد .
فقد أكدت وكالة الأنباء اليمنية التابعة للحكومة بأن الجيش والمقاومة تمكنا من تطهير حي قريش بالكامل والمستشفى العسكري ، ومدرسة النجاح والمباني المجاورة ، ومدرسة أسماء ، القيش والجحملية والمركز الثقافي شرقي مدينة تعز , ومناطق أخرى تتمركز فيها جماعة الحوثي وقوات صالح، وكانت تستعملها كثكنات عسكرية توجه من خلالها الضربات للمدينة.
من جهة أخرى فإن خارطة الطريق الأمريكية التي يحاول “كيري” والمبعوث الأممي لليمن “ولد الشيخ” تسويقها لحل الأزمة اليمنية منحازة بشكل سافر للحوثي والانقلابيين , وبعيدة كل البعد عن مخرجات الحوار الوطني أو ثوابت المبادرة الخليجية , أو حتى قرار مجلس الأمن الذي تتمسك به الشرعية اليمنية كمرجعيات أساسية لحل الأزمة .
ولعل رفض الرئيس اليمني “هادي” رؤية حل الأزمة التي تقدم بها المبعوث الأممي لليمن “ولد الشيخ” مؤخرا , معتبرا أنها لا تتفق مع مرجعيات الحل المتفق عليها , وتكافئ الانقلابيين وتعاقب في الوقت نفسه الشعب اليمني وشرعيته …… يشير بشكل أو بآخر إلى مدى التماهي الأممي الأمريكي مع ذراع طهران في اليمن , وحجم الضغط الذي تتعرض له الحكومة اليمنية للقبول بالأمر الواقع الذي فرضه الحوثي على البلاد , بل وإشراكهم فيما يسمى “حكومة الوحدة الوطنية” كطرف أساسي وفاعل في مستقبل اليمن .
إن تكرار التدخل الأمريكي لإنقاذ الحوثي من الهزيمة العسكرية عبر ما يسمى الهدن و وقف إطلاق النار , والذي يخرقها الحوثيون دائما ويستغلونها لصالحهم , وإصرار العم سام على حل الأزمة اليمنية خلافا للمرجعيات المتفق عليها خدمة لإيران وذراعها في اليمن “الحوثي” …… ينبغي أن يُواجه من قبل الشرعية اليمنية والتحالف العربي بالإصرار على مرجعيات الحل التي تحرم الانقلابيين من أن يكسبوا بالسياسة من عجزوا عن كسبه بالبندقية والدبابة .