في الوقت الذي لا تتوقف فيه الولايات المتحدة الأمريكية عن توجيه الاتهام للدول الإسلامية السنية عموما , والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص , بعدم مراعاة حقوق المرأة , وتنتقد على الدوام وجود بعض القوانين التي تزعم أنها تنتقص من حقوقها……. لا نراها تلتفت إلى شؤونها الداخلية في هذا الخصوص , فما تعانيه المرأة الأمريكية من ظلم واضطهاد , وما تتجرعه يوميا من الامتهان والانتقاص ….كفيل بانشغال الإدارة الأمريكية وإعلامها ببيتها الداخلي المصنوع من زجاج عن رمي الآخرين بحجارتها .
والحقيقة أن القاصي والداني بات يعلم أن شعارات حماية حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ….. والتي ما زالت ترفعها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ما هي إلا خديعة كبرى لاستغلال الرجل الأبيض الغربي للمرأة أبشع وأسوأ استغلال , خصوصا بعد صدور التقارير والإحصائيات ذات الأرقام المفزعة عن حال المرأة البائس في تلك الدول بشهادة أصحاب العلاقة من نساء الغرب والعم سام .
ومن هنا فلا أظن أن أحدا من المسلمين العقلاء ينتابه أي شك في أن الانتقادات التي توجهها الولايات المتحدة الأمريكية وأمثالها من الدول الغربية للمملكة السعودية بشأن ما يسمى “حقوق المرأة” ليست نابعة من غيرة تلك الدول على مصلحة المرأة المسلمة السعودية , أو حرص منها على إنصافها وعدم تعرضها لأي ظلم أو اضطهاد …. وإنما هي في الحقيقة مكيدة وخديعة لجر المرأة المسلمة إلى ما آل إليه حال المرأة الأمريكية والغربية , ومحاولة لإخراج المرأة المسلمة من قلعتها الحصينة الضامنة لحقوقها من غير انتقاص المتمثل “بالإسلام” , إلى وهم شعارات الغرب الكاذبة من “حرية” و “مساواة” .
لم يفتأ الإعلام الأمريكي والغربي ومنظماته الحقوقية عن كيل الاتهام للمملكة السعودية بعدم مراعاة حقوق المرأة , وبوسم المجتمع السعودي بالمجتمع الذكوري حسب وصفهم , وبإثارة المواضيع التي ما إن تهدأ حتى يقوم أحد أتباع الفكر الغربي بترويجها من جديد في الداخل السعودي , فمن مسألة قيادة المرأة السعودية للسيارة , إلى المطالبة برفع الولاية عنها ….إلى ….. الخ .
وعلى الرغم من ندرة وقلة عدد النساء السعوديات اللواتي يطالبن بقيادة السيارة أو رفع ولاية الرجل عنهن أو…… ما يعني أن الزوبعة المتكررة من إثارة مثل هذه المسائل لا تعكس أبدا توجه وإرادة النساء في المملكة , بقدر ما تعكس محاولة غربية – عبر بعض أتباعه والمخدوعين بشعاراته – لإثارة الضوضاء والمشاكل داخل المجتمع السعودي الموصوف بالمحافظ على دينه المتمسك بتطبيق شريعة الإسلام …. إلا أن إثارة مثل هذه المسائل ما زال يتكرر حتى الآن .
ولعل ما يؤكد ذلك ما جرى في مجلس الشورى السعودي منذ أيام , حيث فشلت مسألة قيادة المرأة للسيارة في النجاح بكسب أصوات أعضاء مجلس الشورى بشكل يسمح بإقرار التوصية , وذلك خلال جلسة المجلس الـ 58 من أعمال السنة الرابعة للدورة السادسة .
وبعيدا عن تأكيد وسائل الإعلام السعودية – ومنها “سبق” – بــ : أن “التوصية ليست عن قيادة المرأة للسيارة بشكل مباشر، بل كانت تطالب بالتنسيق بين الوزارات لدراسة البيئة الاجتماعية للقيادة ، وهو ما رفضه أغلبية الأعضاء” , وبغض النظر عن قول عضو مجلس الشورى “لطيفة الشعلان” في تغريدات عبر حسابها على “تويتر” : “ليس صحيحا أن المجلس أسقط توصية تطلب قيادة المرأة ، إنما أسقط توصية ضعيفة تطلب التنسيق بين الوزارات لدراسة البيئة الاجتماعية المناسبة للقيادة” ….فإنه يؤكد على هامشية هذه المسألة في المجتمع السعودي .
بل إن ما قاله عضو مجلس الشورى المسؤول عن ملف النقل ومقدم المقترح “سلطان السلطان” يزيل أي لبس في حقيقة عدم اهتمام المجتمع السعودي حقيقة بهذه المسألة حيث قال : إن المجلس لديه قضايا أهم من موضوع قيادة المرأة للسيارات، قائلاً: “إذا لم يرغب بها المجتمع فنحن معه ” , وهو ما يشير إلى أن إثارة مثل هذه المسائل مفتعل لأهداف خبيثة .
أمام كل هذا التركيز الإعلامي الأمريكي الغربي على مثل هذه المسائل الهامشية والجانبية في المجتمع السعودي , يتساءل المتابع للشأن الأمريكي : ماذا عن حال المرأة وحقوقها هناك ؟! وماذا عن الاضطهاد المستمر ضدها منذ عقود ؟! ولماذا لا يتم توجيه أنظار الإعلام إلى ما يعانيه المجتمع الأمريكي من ذكورية صارخة ؟! في الوقت الذي يتهم فيه المجتمع السعودي بذلك ؟!
أسئلة جديرة بالإثارة والاهتمام , خصوصا بعد نتيجة الانتخابات الأمريكية الأخيرة , والتي فاز فيها المرشح الجمهوري العنصري الموصوف بأنه الأكثر معاداة للمرأة بمنصب الرئاسة , وخسارة المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” بتلك الانتخابات لكونها “امرأة” حسب وصف بعض وسائل الإعالم الغربية , والتي دفعت بعض التقارير الصحفية للتأكيد على شدة ذكورية المجتمع الأمريكي باعتراف صحيفة “لوموند” الفرنسية .
فقد أكدت الصحيفة أنه على الرغم من الفضائح التي لاحقت “ترامب” , والتي أثبتت شدة معاداته للنساء , بدءا بالاتهامات التي وجهت له بالتحرش والاغتصاب , مرورا بتبريره جريمة اغتصاب المجندات داخل الجيش الأمريكي , وليس انتهاء بوصفه النساء بـ “الخنازير” ….. إلا أنه حصل على أصوات أكثر من 53% من نساء الولايات المتحدة الأمريكية , ما اعتبرته الصحيفة دليلا على أن “المجتمع الأمريكي لا يثق في النساء”.
وأضافت الصحيفة : إن أمريكا أظهرت وجهها الحقيقي في التحيز ضد المرأة ، وأن المواطنين الأمريكيين يرفضون أن تتقلد امرأة منصبًا رسميًا كبيرًا كرئيس الدولة , وعرضت الصحيفة قول بعض الرجال الأمريكيين البيض: «لا نثق في النساء»، وأكدت الصحيفة أن المرشحة الديمقراطية لم تفشل لأنها «كلينتون» بل لكونها «امرأة».
وإذا أضفنا إلى ما سبق الأرقام المفزعة عن حجم الانتهاك لحقوق المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص , حيث أكدت وزارة العدل الأمريكية أن ما بين 40 إلى 50 % ممن يقتل من النساء في أمريكا يكون القاتل هو شريكها الحميم (زوج أو صديق) , وأن ما بين 3 إلى 4 ملايين امرأة في أمريكا يتعرضن لاعتداء جسدي من زوج أو صديق , وأن حوالي 683 ألف حالة اغتصاب تحدث سنويا في أمريكا ، أي بمعدل 78 امرأة في الساعة …
فإنه لا يحق لمجتمع هذا حاله أن يتهم الآخرين بعدم مراعاة حقوق المرأة , فضلا عن أن يزعم ساسته بأنهم الراعي الرسمي المزعوم لحقوق المرأة في العالم !!