لم تكن منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها منذ ابتداعها واختراعها بعد الحرب العالمية الثانية إلا وسيلة لمزيد من البغي والظلم والطغيان ضد المسلمين على وجه التحديد , وطريقة للهيمنة على دول أهل السنة وابتزازها وجعلها تابعة لأجندة الغرب وأطماعه التي لا تقف عند حد كما يبدو .
ومن هنا لا ينبغي لمسلم فطن أن يتوقع من مبعوث الأمم المتحدة الأخير إلى سورية "ديمستورا" إلا العمل لمصلحة طاغية الشام وداعميه ضد الثوار , تماما كما فعل أمثاله من المبعوثين الأمميين إلى سورية منذ بداية ثورة الياسمين , وتماما كما يفعل غيره من مبعوثي الأمم المتحدة إلى اليمن مثلا أو غيرها من الدول السنية , التي يشعل فيها أزلام الغرب وأدواته نار الحرب ويؤججها , ثم يرسل من يحاول حسم الصراع بالسياسة لصالح أعداء أهل السنة بعد أن فشلت أدواته في حسمها بالحديد والنار .
نعم …لم يكن تصريح الموفد الأممي إلى سورية "ستافان دي ميستورا" الأخير الذي دعا فيه مقاتلي "جبهة فتح الشام" إلى الانسحاب من مدينة حلب كشرط لإيقاف آلة التدمير والقتل الروسية النصيرية المستمرة على حلب منذ أسابيع هو الموقف المخزي الوحيد الذي يدل على مهمته الخبيثة , بل ما تزال الأيام تؤكد للمسلمين عموما ولثوار سورية على وجه الخصوص أن الأمم المتحدة هي الأداة التي يمرر من خلالها أعداء الثورة أجندتهم وخططهم , و أنها أبعد ما تكون عن الوساطة كما تدّعي وتزعم .
والحقيقة أن معالم وجود شراكة بين نظام الطاغية وداعميه من الروس والإيرانيين والأمريكان من جهة , وبين المنظمة الأممية ومبعوثيها من جهة أخرى جلية واضحة , فمنذ أن جيء بـ "ديمستورا" كمبعوث أممي إلى سورية وخطة التغيير الديمغرافي في البلاد وإفراغها من أهل السنة برعاية أممية تجري على قدم وساق .
لم تتغير الطريقة المتفق عليها لتنفيذ هذه الخطة بين الأطراف المعادية للثورة بمشاركة الأمم المتحدة , فالأمر يبدأ بحصار مناطق الثوار وتجويعهم وسط صمت – بل ومشاركة – أممية مشينة , لينتقل الأمر بعد ذلك إلى القصف الوحشي الذي يستهدف كل عناصر ووسائل الحياة في المدينة , ليصار بعدها إلى تهجير المقاتلين والاهالي من ميدنتهم برعاية أممية تحت ذريعة حمايتهم من آلة القتل الروسية النصيرية الصفوية !!!!
وإذا كان هذا الأمر غاية في الوضوح فيما جرى في كل من الزيداني وداريا ومعضمية الشام والوعر …..الخ , فإن "ديمستورا" يحاول تكرار نفس السيناريو الآن في مدينة حلب , بطريقة وأسلوب وقح و فج و مقزز .
نعم …لقد قالها العميل الأممي للثوار بكل وقاحة : إذا قررتم الخروج بكرامة ومع أسلحتكم فإنني مستعد شخصياً لمرافقتكم ….مهددا بأنه إذا لم يتم ذلك فإن الدمار التام قد يلحق بالأحياء الشرقية لحلب خلال شهرين أو شهرين ونصف كحد أقصى !! ويتساءل المتابع لهذه التهديد الصريح للثوار : هل هذا كلام مبعوث أممي أم متحدث رسمي باسم طاغية الشام وزبانيته ؟!
لم يكن مفاجئا بعد هذا التصريح أن يخرج علينا مبعوث الرئاسة الروسية للشرق الأوسط وأفريقيا "ميخائيل بوغدانوف" ليقول : إن روسيا تدعم فكرة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية "ستافان دي ميستورا" , مضيفا : "كان يجب أن يحدث هذا منذ أمد بعيد" …. وأن يجدّد طاغية الشام – بعد المقترح بساعات – عرضه لخروج مقاتلي المعارضة من حلب مع أسرهم إذا ألقوا السلاح ، متعهّداً بـ"مواصلة الهجوم على حلب حتى يغادر المسلحون ……. فأمثال "ديمستورا" لا يمكن أن يأتوا بمثل هذه الأفكار والاقتراحات إلا بعد أن يلقنها إياهم أسيادهم في مجلس الأمن الذي تهيمن عليه الدول الخمس دائمة العضوية , والتي تدعم جميعها النظام النصيري بشكل فاضح .
لم يتأخر رد جبهة "فتح الشام" على مقترح العميل الأممي الأخير , حيث أكدت رفضها للمقترح , معتبرة أنه وسيلة خبيثة للاستمرار بمسلسل تفريغ مناطق أهل السنة في سورية .
وجاء رد الجبهة على لسان "حسام الشافعي" المتحدث الرسمي باسمها الذي قال في سلسلة تغريدات على "تويتر" : "تماشياً مع تصريحات بشار الأسد مؤخراً بإفراغ حلب من المسلحين ، تأتي عروض دي ميستورا لـ"فتح الشام" في هذا السياق"، مشيراً إلى أن المبعوث الدولي "لم يستطع أن يوقف القصف ساعة عن حلب ، فضلاً عن قوافل المساعدات الدولية".
وشدد "الشافعي" على أن "دي ميستورا نجح بتفريغ مناطق أهل السنة، ولعب دوراً بارزاً في التغيير الديمغرافي، وما زال يلعب دور الجعفري (ممثل الأسد في الأمم المتحدة) دولياً!" , متسائلا : "هل يستطيع ديمستورا أن يرافق أطفال مضايا المرضى لأقرب مشفى، أو يتكفل بإيصال سلة إغاثية لمنطقة محاصرة واحدة؟!".
وأشار "الشافعي" إلى أن جبهة "فتح الشام" قوة مجاهدة، وأحد أركان القوة العسكرية للثورة السورية، لن تخذل شعباً مسلماً يباد، فكيف للحر أن يسلم أهله؟".
وعلى النطاق السياسي ردت الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري على مقترح "دي مستورا" بالإعلان عن إيقافها بشكل فوري تواصلها مع المبعوث الاممي وفريقه، مطالبة الأمم المتحدة بإقالته .
واتهمت الحكومة المؤقتة "دي مستورا" بالانحياز للنظام وروسيا وتقديم المبررات لهم، وبجعله الأمم المتحدة "شريكاً في المشروع الهادف لإحداث تغيير ديموغرافي على أساس طائفي في سوريا"، معبرة عن "صدمتها الشديدة" إزاء تصريحاته بشأن الأوضاع في مدينة حلب، و"اقتراحاته المخالفة للمبادئ الإنسانية، والمعايير المهنية للمنظمة التي يمثلها".
لقد دق "دي مستورا" المسمار الأخير في نعش المنظمة الدولية التي حاولت التظاهر لعقود بحيادها وعدم انحيازها لأسيادها الأمريكان والروس والدول الغربية ضد الدول الإسلامية السنية , وبات على الثوار في الشام أن يحذروا من العميل الأممي حذرهم ممن أرسله وبعثه , فهم جميعا ألد أعداء الثورة وإن اختلفت الوجوه والوسائل .