تزداد الأزمة السورية تعقيدا يوما بعد يوم في ظل أوضاع دولية وإقليمية شديدة الصعوبة والتشابك من جهة النظام الأسدي أو الثوار على حد سواء…
المثير في المشهد مؤخرا هو الاعترافات الإيرانية بحجم الخسائر التي تكبدتها في حلب خلال المعارك المحتدمة مع الثوار الذين شكلوا جبهة موحدة للرد على مجازر النظام ضد المدنيين والتي أدت لحملة نزوح واسعة في حلب وسط ظروف غير إنسانية أبكت صورها العالم أجمع…طهران التي تؤازر نظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد قبل 5 أعوام وترسل قواتها للقتال في الميادين المختلفة كانت تخفي في بداية الأمر مشاركة جنودها في القتال المباشر مصرة على أكذوبة المستشارين العسكريين وبمرور الوقت اعترفت بوجود متطوعين ثم بوجود جنود نظاميين ولكن كانت دائما تتحفظ على ذكر عدد القتلى ورتب المقتولين…لكن مع اشتداد المعارك في حلب وتقدم الثوار بدأت طهران تنعي قتلاها وتذكر أعدادهم في تغير جوهري ملحوظ يدفع للتفكير في الأسباب وراء ذلك…
المطلعون على طبيعة المشاركة الإيرانية في القتال بسوريا أكدوا أن إيران أرادت من هذا النعي الجماعي الأخير لـ13 مستشارا عسكريا أن تقول للجميع إنها موجودة على الأرض السورية، وإنها تبذل الدماء هناك، وإنها يوما ستأخذ ثمن تلك الدماء من خلال خريطة الحل التي يمكن أن تطبق في سوريا، ولا بد أن يحسب حسابها في "الكعكة السورية"…
وأشاروا إلى أن إيران لم تعد تكتفي بالإعلان عن قتلاها، وإنما لجأت إلى تضخيم مشاركتها في سوريا، حتى ترسل رسائل للمجتمع الدولي واللاعبين في المشهد السوري بأن تلك التضحيات لقواتها لا بد أن يحسب حسابها، وأن تطرح على طاولة التفاوض ليكون لها مقابل….
في تفس الوقت رأى خبراء عسكريون أن إعلان الإيرانيين عن قتلاهم بهذا الشكل يحمل في طياته عدة رسائل؛ أبرزها رسائل موجهة إلى روسيا، حيث تريد إيران أن تقول إنها حاضرة بقوة في سوريا، وإنها تقاتل على الأرض، وإنها تملك ناصية الصراع في مناطق جغرافية عدة مهمة ومؤثرة مثل مدينة حلب وريفها الجنوبي الإستراتيجي…كما أرادت أن ترسل رسالة لموسكو مفادها أن روسيا لن تكون منفردة في صناعة مصير النظام السوري ورأسه، إذ إنها على ما يبدو ترى إمكانية أن يتخلى الروس عن الرئيس بشار الأسد ما دامت ضمنت مصالحها في سوريا، ومن ثم تريد إيران التذكير دوما بأنها متغير قوي على الخارطة العسكرية في سوريا….
الخبراء أكدوا ايضا أن من أهم أسباب الخسائر التي تكبدنها إيران في سوريا تعود إلى إعادة تفعيل غرفة عمليات "جيش الفتح" التابعة للمعارضة المسلحة، بعدما أثبتت نجاعة وأعطت نتائج حقيقة على الأرض من خلال تجربة السيطرة على كامل مدينة إدلب خلال فترة قصيرة، حيث باتت المعارضة تستنسخ التجربة في ريف حلب الجنوبي…
ملخص الأمر أن إيران بدأت تشعر بالقلق من جنيها لثمار تدخلها في سوريا ومساندتها لنظام الأسد وأن مخاوفها تزداد بشأن محاولات لتهميشها بشكل أو بآخر أو فرض حل في سوريا لا يلقى قبولا لديها أو لا يحقق مصالحها التي تخطط لها منذ زمن طويل كما أنه من الواضح أن العلاقات داخل الحلف المؤيد لبشار الأسد ليست على ما يرام وأن طول زمن الأزمة والخسائر الكبيرة التي لحقت بجميع الأطراف ماديا ومعنويا أدت لتسرب الخلافات على نصيب كل طرف في الكعكة خصوصا مع الشعور بأن المجتمع الدولي يتعرض لضغوط ضخمة من أجل التوصل لحل سريع للاوضاع في سوريا قبل أن تخرج عن السياق المرسوم لها من قبله…
يبقى هنا التأكيد على أهمية التوحد بين فصائل الثوار من أجل الوقوف في وجه الحلف الشيعي ـ الروسي في سوريا وهو ما ظهر أثره بقوة في أكثر من منطقة في حين أن التفرق والاختلاف يصب في مصلحة الأسد ومن معه ويترك له المجال لصب جام غضبه وانتقامه ضد المدنيين ويجعلهم رهينة بيدية للضغط على الثوار.