لم يكن قرار السودان بالانضمام إلى التحالف العربي صوريا فحسب , بل تجاوز ذلك بمراحل , حيث أرسلت السودان قوة عسكرية بلغ قوامها 800 جندي معززة بمدرعات وأسلحة ثقيلة إلى عدن على دفعتين مطلع الأسبوع الماضي ، في الوقت الذي أعلن فيه المتحدث باسم الجيش السوداني في تصريحات إلى صحيفة “الوطن” السعودية أن ستة آلاف جندي على أهبة الاستعداد للمشاركة إلى جانب قوات التحالف العربي .
والحقيقة أن هذا التحول الواضح في سياسة السودان تجاه إيران التي كانت تطمع بأن تكون السوادن بوابتها لتصدير ما يسمى “الثورة الخمينية” , و مدخلها إلى تشييع المنطقة العربية والافريقية معا , وتسعى دائما لجرها إلى معسكرها , وتحاول فصلها عن محيطها العربي والإسلامي السني , من خلال بعض الإغراءات المادية أو السياسية ….. لم يأت من فراغ , وإنما كان حصيلة جهد سعودي واضح , خصوصا بعد تولي الملك سلمان الحكم , وذلك بهدف قطع الطريق على أطماع طهران , وتوجيه ضربة جديدة على مشروعها الصفوي في المنطقة , بعد أن أيقنت المملكة أن هذا المواجهة أصبحت حتمية بعد أن وصل الخطر الرافضي إلى حدود الخليج و حدودها الجنوبية .
صحيح أن هناك الكثير من الأسباب السياسية والاقتصادية والعقدية الدينية التي دفعت الخرطوم إلى تغيير سياستها التي كانت متقاربة مع طهران أكثر من تقاربها مع محيطها العربي السني , لعل أهمها ظهور خطر انتشار التشيع في البلاد , الذي دفع الخارجية السودانية في الثاني من سبتمبر عام 2014م لإصدار بيان أعلنت فيه إغلاق المركز الثقافي الإيراني وفروعه المنتشرة في السودان ، مع إمهال الملحق الثقافي الإيراني ومعاونيه مدة اثنتين وسبعين ساعة لمغادرة البلاد …..إلا أن ذلك لا ينفي دور المملكة في جر السودان إلى معسكرها المناهض للمشروع الصفوي في المنطقة , بدلا من أن تكون الخرطوم في معسكر الرافضة أو على الحياد على أقل تقدير .
وتظهر أثر الصفعة السعودية الأخيرة على وجه طهران في ردة فعلها إزاء نبأ إرسال السودان قوات عسكرية إلى اليمن ….. ففي تعليق مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان , الذي هاجم وبشدة انضمام السودان إلى التحالف العربي في اليمن قائلا : ” إنه لن يجديه نفعا ” و زاعما ” أن ما أسماه “العدوان” قد بلغ النهاية حسب وصفه …..يظهر الحنق والغضب الإيراني من هذا النجاح السعودي الجديد المناهض لمشروعها .
والحقيقة أن رد الخارجية السودانية على الانتقادات التي وجهتها لها طهران، كان شديد الوضوح في حدوث تغيير جوهري إيجابي في سياسة الخرطوم تجاه المشروع الصفوي , حيث جاء على لسان مصدر مسؤول في الخارجية السودانية : ” إن الخرطوم ليست في حاجة لنصائح من طهران تملي عليها ما ينبغي فعله وما لا يجب تركه ، وإذا كانت ترى أنها تمتلك الرأي الصائب فالأولى أن تدخره لنفسها ” .
كما أن تصريحات المصدر السوداني لصحيفة “الوطن” السعودية : ” بأن الحكومة الإيرانية وجدت نفسها متورطة في اليمن، ولم يعد بإمكانها فعل شيء لحليفها الحوثي، واكتفت بمحاولات الإساءة للآخرين ” يؤكد على نجاح الدبلوماسية السعودية في تقليص نفوذ طهران في المنطقة العربية , وتحجيم أطماعها في القارة الإفريقية عموما , وسواحل البحر الأحمر على وجه الخصوص .
ومن هنا يمكن فهم الحملة الشرسة التي تقودها طهران ضد المملكة السعودية , والتصريحات العدائية المتكررة من ساسة ملالي الرافضة ضد بلاد الحرمين الشريفين لأسباب تافهة أو دون أسباب , فقد باتت السعودية بقيادة الملك سلمان تشكل العائق الاول أمام استمرار تنفيذ مشروعها الصفوي الخبيث في المنطقة .
وإذا أردنا تعداد انتكاسات المشروع الصفوي بسبب المواجهة السعودية له على وجه الخصوص لطال بنا المقال , فإذا كان تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة باليمن هو أهم تلك الانتكاسات , حيث أفشل مخطط إيران في الهيمنة على الحدود الجنوبية لدول الخليج , وأحبط أطماعها في السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي …. فإن دعم المملكة للمعارضة السورية أفشل محاولاتها في إجهاض ثورة أهل الشام ضد الطاغية .
إن تحرك المملكة السعودية في كل الاتجاهات لمحاصرة وعرقلة وإفشال المشروع الصفوي في المنطقة …هو في الحقيقة ما كانت تحتاجه الأمة الإسلامية منذ زمن , فإذا كانت تحركات المملكة مع بعض الحلفاء من الدول العربية والإسلامية قد أحدث كل هذا الإرباك والانتكاس في المشروع الصفوي رغم توغله في كثير من الدول العربية والإسلامية , ورغم التأييد الغربي والضوء الأخضر الأمريكي الروسي الصيني ….
فما بالك بنتائج ذلك التحرك لو كان مبكرا ومن جميع الدول العربية والإسلامية ؟!