اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جواز الزيادة في الدين وإدخاله في رهن الدين الأول، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].
أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول:
لا يجوز ذلك.
وهذا مذهب الحنفية، وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وهو المقدم في المذهب [2]، وقول الشافعي في الجديد [3]، والمشهور في مذهب الحنابلة [4].
القول الثاني:
أنه يجوز.
وهو مذهب المالكية [5]، وقول الشافعي في القديم [6]، وقول في مذهب الحنفية اختاره أبو يوسف [7]، وقول أبي ثور والمزني وابن المنذر [8]، واختاره ابن تيمية وابن القيم [9].
أدلة القول الأول:
وهم القائلون بالمنع:
1- أنها عين مرهونة فلم يجز رهنها بدين آخر، كما لو رهنها عند غير المرتهن [10].
ونوقش:
أ- أن الرهن قصد به مطلق التوثيق، وهذا حاصل بأي رهن كان، ولذا صح بأقل من الدين وبأكثر منه، فإذا زاده ديناً برضاه صح فهو كما لو أقرضه بغير رهن أصلاً.
ب- أن هذا القياس معارض بقياس آخر، وهو القياس على ما لو أقرضه بغير رهن فهو جائز فكذا لو وثقه بالرهن الأول.
2- أن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن، وهو ممنوع [11].
ونوقش:
عدم تسليم منع الشيوع في الرهن بل هو جائز؛ لأن القصد منه مطلق التوثيق [12].
3- أن الزيادة في الدين ترك للاستيثاق، وهذا مناف لعقد الرهن [13].
ونوقش:
أنه لا يناقضه؛ لأن عقد الرهن ليس بلازم للمرتهن فله فسخه، فمن باب أولى التنازل عن بعض حقه منه من التوثيق.
أدلة القول الثاني:
1- القياس على جواز زيادة الرهن، فإذا جاز ذلك فيجوز زيادة الدين كذلك [14].
ونوقش:
بأنه احتجاج بموطن نزاع، حيث خالف في ذلك بعض العلماء [15].
وأجيب عن المناقشة:
1- بأن الخصم يسلم بهذا، وهذا كاف هنا.
2- أنه يجوز له ترك الرهن أصلاً، فالتنازل عن بعض توثقة الدين من باب أولى.
3- أن الأصل في المعاملات الإباحة، والمنع من ذلك يحتاج إلى دليل صريح، ولا دليل هنا.
4- أنه لو فدى المرتهن العبد الجاني بإذن الراهن ليكون رهناً بالمال الأول وبما فداه به جاز، فكذلك هنا [16].
5- أنها وثيقة محضة فجازت الزيادة فيها كالضمان [17].
الترجيح:
والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني:
1- لقوة أدلته ووجاهتها.
2- ضعف أدلة المخالفين ومناقشتها.
3- أن الأصل عدم المنع، والحظر يحتاج إلى دليل.
4- أن الأصل في العقود والشروط الصحة.
5- سلامة هذا القول من التناقض.
6- مطابقته لمقاصد الشريعة في عقد الرهن حيث قصد به مطلق التوثيق ولذا جاز بأكثر أو أقل من الدين.
7- أن الدين والحق لا يضيع بترك الرهن أصلاً بل هو ثابت، لكن قصد من عقد الرهن تعجيل الوفاء واطمئنان البائع بالبيع، والله أعلم.
—————-
(*) المصدر: موقع الشيخ عبد الله آل السيف.
[1] انظر: حاشية ابن قاسم: (5/74)، ولم أجد من نسبه له غيره، كما لم أعثر عليه في كتبه، لكن يؤيد صحة نسبته إليه أمور ثلاثة: أولها: أن الشيخ عبدالرحمن بن قاسم من أعلم الناس بأقوال ابن تيمية، وهو جامع فتاويه ورسائله والمنقب عنها في خبايا الزوايا، وثانياً: أنه اختيار تلميذه ابن القيم والغالب عليه متابعة شيخه في آرائه، وثالثاً: أنه موافق لأصول ابن تيمية وقواعده في أبواب المعاملات: كقاعدة: أن الأصل في العقود الصحة، وأن الأصل في الشروط الصحة، والله أعلم.
[2] انظر: المبسوط: (21/97-98)، (22/15)، تبيين الحقائق:( 6/95)، البحر الرائق: (8/325)، مجمع الأنهر: (2/612)، شرح العناية: (10/199)، شرح فتح القدير: (10/199)، الجوهرة النيرة: (1/237)، مجمع الضمانات: (105).
[3] انظر: الأم: (8/193)، حاشية قليوبي وعميرة: (2/268)، مغني المحتاج: (2/175)، تحفة المحتاج: (5/67)، نهاية المحتاج: (4/253)، حاشية الشرواني: (5/67-68).
[4] انظر: المغني: (6/466)، الفروسية: (356-358)، الفروع: (4/217)، الإنصاف: (5/140)، كشاف القناع: (3/322)، الروض المربع: (5/74)، شرح منتهى الإرادات: (2/229)، مطالب أولي النهى: (3/249).
[5] انظر: الكافي لأبي عمر: ( 2/819)، المعونة: ( 2/1164)، منح الجليل: (5/428)، مواهب الجليل: (5/6)، التاج والإكليل: (6/552-553)، شرح الخرشي: (5/241).
[6] انظر: الأم: (8/193)،روضة الطالبين: ( 4/56)، نهاية المحتاج: (4/253)، مغني المحتاج: (2/175)، تحفة المحتاج: (5/67)، حاشية الشرواني: (5/67-68)، حاشية قليوبي وعميرة: (2/268).
[7] انظر: المبسوط: (22/15)، تبيين الحقائق: (6/95)، البحر الرائق: (8/325)، مجمع الأنهر: (2/612)، شرح العناية: (10/199)، شرح فتح القدير: (10/199).
[8] انظر: المغني: (6/466)، فقه ابن المنذر: ( 3/1080).
[9] انظر: الفروسية: (356 – 357).
[10] انظر: المغني: (6/467).
[11] انظر: شرح العناية: (10/199-200)، شرح فتح القدير: (10/199-200).
[12] انظر: المغني: (6/450، 456)، الإنصاف: (5/141)، المبدع:( 4/216)، كشاف القناع: (3/326).
[13] انظر: مجمع الأنهر: (2/612).
[14] انظر: المغني: (6/466).
[15] انظر: تبيين الحقائق: (6/97).
[16] انظر: المغني: (6/466).
[17] انظر: المعونة: ( 2/1164)، المغني: (6/466).