صاغت دول الخليج الخريف العربي داخل حدودها وخارجها حسب كتاب حديث عنوانه: الخليج الطائفي والربيع العربي الذي لم يحدث، تأليف توبي ماثيسن، وترجمة أمين الأيوبي، وصدرت طبعته الأولى عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر عام (2014م)، ويقع في (207) صفحات، ويتكون من مقدمة وتمهيد ثم سبعة فصول، تتلوها خاتمة فشكر ثم المراجع، وفيه سقط يسير لبعض حروف الجر مع غلطين أحدهما زماني والآخر مكاني، وربما أن الرغبة في إدراك معارض الكتاب حالت دون دقة المراجعة؛ وهي ملحوظات يمكن تداركها في الطبعات القادمة.
واللطيف أن الباحث ألف كتابه هذا على هامش بحثه للدكتوراه عن التاريخ السياسي لشيعة الخليج خاصة القاطنين شرق السعودية؛ حيث حضر للبحرين ليجري عملاً ميدانياً؛ لكن سخونة الأحداث غيرت مسار خطته، وعجلت بإصدار هذا الكتاب، وربما نرى أطروحته الأساسية ضمن منشورات الشبكة في قادم السنوات إذا بقي للشبكة تألقها في عالم النشر؛ خاصة بعد إغلاق جناحيها في معرضي الرياض وأبو ظبي للكتاب في مؤشر على الغضب السعودي الإماراتي!
ذكر المؤلف في المقدمة معلومة سمعت عنها كثيرا؛ وملخصها أن المال الخليجي حال دون تعاطي الإعلام الغربي مع شؤون الخليج الداخلية بحياد، وإذا كان الإعلام وأهله-غالبا- سلعة مشاعة في السوق لمن يدفع أكثر؛ فإن الخطب يعظم حين يشمل هذا الأمر الجامعات، ومراكز البحث، ومؤسسات المجتمع المدني.
وخلص الباحث إلى أن غرض الاستقطاب الطائفي من قبل الحكومات نزع الشرعية عن المعارضة؛ التي يبدو أنها تتلقى دعماً من إيران خاصة شيعة المملكتين. وبعيداً عن الشيعة كان لدول الخليج يد ودرهم في الثورة المضادة في بلدان الربيع العربي، وهي السند الرئيس للانقلاب العسكري في مصر؛ بعد أن اتهمت الإخوان بذات التهمة التي وجهتها لإيران وهي التدخل العابر للحدود في الشؤون الداخلية؛ والعجيب أن هذه الأطراف الثلاثة المتضادة تنسب مواقفها إلى الدِّين، والله وحده يعلم المصلح من المفسد.
وأفقدت الثورات الحكام العرب الإحساس بالأمان، ولم تسلم منها دول الخليج باستثناء قطر والإمارات، وعلى هذا الموضوع يركز الكتاب الذي يرى أن المشكلات المسببة للاضطرابات في الخليج لم تعالج، وأن الأنظمة تعاملت معها بالأساليب القديمة المكونة من القمع، واستخدام المال، واستدعاء الطائفية التي أعان عليها "تجار الهوية الطائفية" من النخب الساعية لمآربها الخاصة، بينما كان تعاطي العالم الغربي مع "الربيع الخليجي" مختلفاً؛ فالبحرين ليست سوريا حسب وصف ديفيد كاميرون!
أما الفصل الأول فيسرد فيه قصة أول رحلة زار خلالها البحرين عام(2008م)، وكان بجواره أمريكي ستيني يسرف في احتساء الخمر لأنه سينتقل من المطار إلى الدمام ولن يجد الخمر بسهولة، وروى عن الأمريكي السكير أن شيعة السعودية نقلوا لدبلوماسيين أمريكيين أملهم في الحصول على الحرية التي نالها شيعة العراق بعد الاحتلال. وقد تهكم المؤلف على انشغال الساسة العرب بتسلية أنفسهم وتطمينها بأن دولتهم لا تشبه تلك الدولة التي عمتها الاضطرابات، وتحت غشاوة هذه التسلية سقط عدة حكام حقيقة أو حكما.
وأشار المؤلف إلى أن زياراته لدوار اللؤلؤة كانت تملؤه حيوية وأملا، واستثمرها بإجراء الحوارات واللقاءات ثم يدون ملاحظاته في الفندق، وقد لاحظ إفادة المحتجين من التجارب الصربية والمصرية، وأن جلَّ مطالبهم لم تكن طائفية أول الأمر، وابتدأت بالدعوة لإصلاح النظام واستقالة أطول من شغل منصب رئيس الوزراء وهو غير منتخب! قبل أن يتحول الحراك للمطالبة بإسقاط النظام برمته، وحين بلغه خبر مداهمة الدوار تيقن أن الأسر الخليجية الحاكمة لن تتورع عن قتل مواطنيها إن بالغوا في المجاهرة بمطالبهم.
الفصل الثاني: ( اللعبة الطائفية الكبيرة) يتحدث عن الاهتمام السعودي بشؤون البحرين لأسباب كثيرة منها منع انتشار العدوى بين شيعة البلدين المترابطين حركياً، ولم ينس التذكير بالرؤية "الوهابية" للشيعة مع أن صلب الكتاب عن شيعة البحرين الذين لا يجابهون أي "وهابية"، ويبدو أن نقد "الوهابية" قاسم مشترك بين كثير من كتب الشبكة، والنقد الموضوعي لا يابأه عاقل، وما من أحد يسلم من الخطأ، وفي النهاية فإن ديننا هو الإسلام الذي جاء من عند الله، وبلغه النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يرتبط بإطار لم ينزل به الله سلطانا.
وخصص الفصل الثالث للحديث عن دوار اللؤلؤة، وأدلى المؤلف بشهادته المخالفة تماماً للرواية الرسمية عن الحدث، وأكد على وجود انقسامات شيعية داخل الدوار فضلاً عن حضور تجمعات يسارية وليبرالية مختلطة من الطائفتين، وبعض السنة من هؤلاء انحاز للحكومة بعد سيطرة الشعارات الطائفية التي غذتها شاشات ضخمة تنقل خطب المحرضين من مشايخ الشيعة كالمدرسي وغيره؛ فبسبب شعار "لبيك يا حسين" تحولت معارضة شابة يسارية سنية إلى صف الحكومة بعد أن كانت ثائرة في الدوار. وبعد إنهاء اعتصام الدوار، حولته الحكومة إلى تقاطع، وأطلقت عليه اسم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وكأنها لم تكتشف هذا المسمى إلا مع الغليان الشيعي!
وقد سعى النظام في البحرين لربط احتجاجات عام(2011م) بالمحاولة الانقلابية عام(1981م)، وإبراز دعوى إعلان "جمهورية إسلامية" في البحرين؛ مع أن ائتلاف المعارضة لم يستخدم هذا الوصف حسب شهادة المؤلف الذي يرى أن خوف الدول الخليجية من التخريب الإيراني تجاوز حد الهلوسة.
واتخذ الفصل الرابع من الثورة المضادة عنواناً له، وفيه تحدث عما سماه: بروز السعودية كمركز للثورة المضادة من خلال الدعم المالي والسياسي والعسكري للنظم المحافظة في المنطقة، وقد ذكر المؤلف أن زيارته للبحرين في مايو(2011م) كانت مختلفة؛ حيث فُرضت الأحكام العرفية، وانتشرت القوات السعودية والشرطة الإماراتية، وقد أحزنه وأدهشه أن كثيراً ممن قابلهم آخر مرة قد غابوا عن المشهد بموت أو نفي أو سجن!
وأعطت البحرين للمؤلف درساً عميقاً ومجانياً في علم "السلطة والثورة"؛ حيث يمكن تنظيم الثورات بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكن الدبابات فاعلة جداً في سحقها خاصة إذا كان الجنود موالين للنظام، والضغوط الدولية محدودة، هذا غير مساوئ التخطيط العمراني التي لا تتيح مكاناً للتجمعات، ولا منافذ للهرب من الطلقات.
والفصل الخامس عنوانه: نقطة ضعف محلية وجعله عن الشيعة في السعودية، والشيخ نمر النمر، وأحداث البقيع، وعن لقائه "السينمائي" بأحد قادة احتجاجات(محرم1400=نوفمبر1979م)، وتحدث المؤلف بمظلومية عن واقع الشيعة وقوائم المطلوبين منهم؛ والعجيب تباكيه عليهم وحدهم . وقد عرج على بيان الداخلية المنتقد لخطبة ألقاها الشيخ حسن الصفار، و وصف المؤلف البيان بالعنيف، ولعل الإنجليزي لا يعلم أن وزارة الداخلية ليس من عادتها توبيخ الخطباء ببيان بل بغيره!
وللفصل السادس لون ونكهة خاصة؛ فهو عن الحركة البرتقالية في الكويت التي ترمز إلى الاحتجاجات الشعبية الضخمة التي لم تشهد لها الكويت مثيلا، حيث التحمت غالب قوى المجتمع في حركة معارضة لم تجد الحكومة من سبيل لاختراقها سوى إثارة الانقسام البدوي/ الحضري، لأن الشيعة في الكويت يوالون الحكومة في الظاهر، ولم يشاركوا في الاحتجاجات التي خرجت من وسط الأغلبية السنية، فسقط خيار التجييش الطائفي عند الحكومة.
والكويت أرضية اختبار للإصلاحات السياسية الإقليمية، فالشعب يتطلع لمزيد من حقوقه؛ والحكومة وباقي دول الخليج تخشى حراك كتلة الأغلبية وتنظر للمستقبل بتوجس شديد، ولذا فمما يستقر في خلد المعارضة الكويتية أنهم يواجهون جميع الأسر الحاكمة في الخليج ، وليس آل الصباح وحدهم، وما أطول ليلهم، لكن الصباح محمود عنده السرى!
واختتم الفصول بسابعها الذي جمع النقيضين بعنوانه: فصول ربيع عربية/ فصول خريف عربية، وتحدث المؤلف فيه عن عمان حيث تجاوب سلطانها مبكراً مع بعض المطالب الشعبية غير الجوهرية معززاً بذلك انفراد عمان بمواقفها عن بقية أشقائها، فأقال وزراء، واستحدث وظائف، ورفع الحد الأدنى للأجور مستفيداً من ضخ دول الخليج مبالغ كبيرة لعمان حتى لا يكون دوار الكرة الأرضية في صحار كلؤلؤة البحرين أو تحرير مصر.
ولم ينس المؤلف التعريج على الإمارات وقطر حيث نالهما شيء من "غبار" الربيع؛ فتعاملت معه الإمارات بالسجن وسحب الجنسية، وبدرجة أقل فعلت قطر الشيء نفسه، مع عزمها على إجراء انتخابات جزئية لمجلس الشورى، وقد استفادت الدولتان من انصراف السياح السعوديين إليهما بدلاً عن البحرين.
وفي الخاتمة أشار الكاتب إلى أن وضع الخليج سيؤثر على الشرق الإسلامي كله، ولذا فالمنطقة محل عناية القوى الكبرى- للتذكير الخليج هو آخر منطقة غادرها الاحتلال البريطاني، وأول منطقة تعرضت لتقسيم الحدود البرية- وقرر أن الحل الطائفي قصير الأمد، ولذلك سعت دول الخليج للاتحاد كي لا يكون بينها دولة بأكثرية شيعية، ولتقطع الطريق على تحول إحداها إلى ملكية دستورية؛ ومع ذلك فهذا الاتحاد لم يتفق عليه بعد، وكان لعمان موقف صادم تجاهه وصارخ في رفضه، والمؤلف يجزم أن التغيير آت، وأن الحلول قصيرة المدى لا جدوى منها خاصة مع نظم باتت تحمل عوامل إنهيارها سياسياً واقتصاديا.
وفي صفحتين شكر المؤلف من ساعده على التأليف؛ وفيهم من لا يرغب في ذكر اسمه خشية العقوبة، ثم شكر ممولي تأليف الكتاب، وهم المعهد البريطاني لدراسة العراق، ومشروع المرجعية الدينية في المذهب الشيعي، وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وقد حرصت على ذكر هذه المؤسسات عسى أن يكون في عالمنا مثيلاتها حتى نحسن قراءة القريب والبعيد، وبالتالي تكون سياساتنا صائبة مدروسة، وليست انفعالاً يصم ويعمي وإلى الضلالة السياسية "يهدي"!!.