فقدت الأمة رجلاً من رجالات الخير والعطاء والإحسان بعد حياةٍ حافلة بالبذل في سبيل الله ونفع المحتاجين, فقد عرف بالخير وشهد له بالفضل والكرم, فبكته المشاريع الخيرية والأرامل والأيتام, إنه الشيخ عبد العزيز الموسى رحمه الله رحمة واسعة.
ولد الشيخ الموسى عام 1350هـ, في قرية البير التابعة لمحافظة ثادق والتي تبعد عن الرياض, 130 كلم, وقد حفظ القرآن في الصغر وتعلم القراءة والكتابة والحساب, ثم توجه إلى العمل في الزراعة وهو في العاشرة من عمره.
وفي سن الثالثة عشرة, توجه مع أخيه سعد للعمل في الرياض, فعمل هناك في بناء بيوت الطين واللبن بأجر يومي لا يتعدى ريال واحد, وعلى الرغم من شظف العيش وقسوة العمل, فقد عرف مجتهدا عفيفاً صابرا لا يشكو حاله لأحد إلا لله, حتى أتقن عمله وبرع فيه ليصبح مقاولاً لبناء البيوت والقصور من الطين.
ولما عرف عن الشيخ الموسى بسماحته في التجارة وحسن إدارته, فقدحبه الناس وشاركوه بأموالهم, فبدأ أول مشاريعه, فكان مساهمة عقارية صغيرة, ومع تعرضه في بداية تجارته لنكبات وخسائر, لكنه واصل مسيرته بصدق وسمعة طيبة والتزام مطبقاً دائماً القول (بارك الله في من نفع واستنفع) الأمر الذي أكسبه توفيقاً ونجاحا منقطع النظير.
ومما عرف عن الشيخ الموسى أخلاقه العالية, وعشرته الطيبة فكان مضرب المثل بين تجار العقارفي الأمانة والنزاهة والصدق، وكان محل ثقة الجميع, كما عرف عنه شدة حرصه واهتمامه بالآخرين ممن يعرفهم ومن لا يعرفهم, وتلمس حاجاتهم والمبادرة إلى مساعدتهم, وكان حريصاً على مشاعر من يعملون معه وراحتهم,
ومن حبه للخير أنه كان يفرح جداً إذا عرف أن أحد التجار قد ربح من العقار الذي اشتراه منه, ومع علمه أنه لو أبقاه فإن ثمنه سيزداد, إلا أنه كان يؤثر البيع ليفيد غيره من التجار.
وكان دائماُ يوصي شركاه بالاستخارة, و دائماً ما يتحمل الفروقات بين الشركاء وقد تكون هذه الفروقات المالية كبيرة فيتحمها هو لكي تمضي الشراكة ومع ذلك تأتي حصته من الأرباح أكثر من غيره.
وإلى جانب ما يتصف به الشيخ من حسن إدارة وتصريف للأمور وعلى الرغم من اتساع رقعة أعماله وممتلكاته, فقد كان ديناً متواضعاً, و كان من أشد الناس حرصاً على الصلاة ومحافظة عليها وخاصة صلاة الفجر و إيقاظ أهله لها, يقول ابنه عبد الإله, منذ أن كنا صغاراً وحتى كبرنا أنا وإخوتي وتزوجنا ووالدنا رحمه الله يحرص على إيقاظنا لصلاة الفجر, ويمر على بيوته الثلاث, ليوقظ كل من فيها للصلاة,
أعماله الخيرية:
الشيخ عبد العزيز الموسى كان من رواد الخير, ساعده في ذلك حبه للمساكين, تماما كما أحبه المساكين, فلم يعرف أنه ردّ سائلاً سأله, فكان كثير البذل لمساعدة المعسرين, والشباب المتزوجين, والأرامل والأيتام, كما كان حريصاً على بناء الوحدات السكنية والتبرع بها للمساكين لتكون عوناً وستراً لهم.
وساهم في بناء عشرات المساجد، وبناء محطات تحلية المياه للمحتاجين, فقد بنى محطات في 14 قرية لتصل لأكثر من 50 ألف مستفيد، وبنائه للمجمعات القرآنية كان آخرها مجمع بحي الشفا على مساحة أكثر من 9000 م، ومجمعات سكنية بالتعاون مع الجمعيات المعنية كجمعية الأمير سلمان للإسكان وغيرها.
ولحرصه على عمل الخير, ورغبته في تأصيله واستدامته , أسس مع أخيه سعد الموسى وقفاً خيرياً عام 1422هـ، فكان هو وأخوه يديرانه ويصرفان منه على المشاريع الخيرية حتى نهاية عام 1430هـ، بعدها أوكلوا إدارة الوقف إلى مجلس نظارة مكوّن من أربعة من أبنائهما وأربعة من القضاة وطلبة العلم، وأسّسا إدارةً للوقف في شهر صفر عام 1431هـ، واستقطبا نخبةً من القيادات المميزة.
وقد عمت أثار هذا الوقف في الداخل فلا تكاد تجد منطقة من مناطق المملكة , إلا وصلها من ريع هذا الوقف, حتى إن المشاريع التي دعمت من هذا الوقف بلغت 440 مشروعاً.
مشاريع نوعية:
ورغبة في النهوض بالعمل الخيري وفتح آفاق جديدة للمشاريع الخيرية سعى الوقف إلى اختيار مشاريع نوعية مثل مشروع صلاة المسافر والذي يهدف إلى تهيئة مساجد الطرق ومرافقها، وذلك بابتكار وتنفيذ نماذج مصمّمة تتواءم مع البيئة وسلوكيات المجتمع.
وقد نال هذا المشروع إعجاب الجهات الحكومية والخيرية سجلت براءة اختراع للمشروع في مدينة الملك عبد العزيز, كما وردت طلبات مع عدد من الجهات يرغبون في الحصول على هذه المعرفة المتعلقة بهذا المشروع,
ومن المشاريع النوعية أيضاً, نشر تطبيق القرآن الكريم على أجهزة الجوّال والحاسبات الكفية، وقد زاد عدد التنزيلات عن مليون نسخة إلكترونية من المصحف خلال نصف سنة فقط من انطلاق المشروع ومن المتوقع زيادة هذا العدد إلى الضعف في نهاية هذا العام.
وسعى الوقف أيضاً تأسيس جهات خيرية غير مسبوقة في بيئتها، مثل مركز جلوي بن عبد العزيز لتنمية الطفل في الأحساء، و جمعية الأيتام في نجران وأخرى في رفحاء. إضافة إلى أكاديمية عن بُعد للمسلم الجديد بلغ عدد المستفيدين منها خلال أول ستة أشهر أكثر من 2700 مسلم جديد، يتم تعليمهم العلوم الأساسية الشرعية.
قالوا عن الشيخ الموسى :
يقول الشيخ عبد الوهاب الطريري: عرفت الشيخ عبد العزيز الموسى من خلال مجاورتي له سنوات طويلة, لقد كان ذلك الرجل الذي أعطاه الله مالاً فسلطه على هلكته بالحق, فقد كنا نعرف بيت الشيخ الموسى من بين بيوت كافة الأغنياء من كثرة الفقراء وطالبي الإحسان عند بابه, فلم يكن يعرض عليه باب من أبواب الخير إلا كان مساهماً فيه إن لم يتوله كله, كما أني أشهد أن الله أغنى على يديه أناساً كثير قضيت حاجاتهم, وأغيثت لهفاتهم وفرجت كرباتهم, وعند وفاته رحمه الله تذكره كل من عرف إحسانه فأنطق الله الألسن بالدعاء والثناء, فكان في دعاء الناس له عاجل البشرى بإذن الله كالذي قال صلى الله عليه وسلم فيه, "أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة".
ويقول الداعية الشيخ الدكتور محمد العريفي " هذا رجل من المحسين الذين بكينا عليه بقلوبنا قبل أن نبكي عليه بأفئدتنا" .. فلا أذكر أنني دخلت عليه إلا وجدت عنده الكثير من الأشخاص, إما يطلبون كفالات لدعاة, أو طباعة لكتب, أو بناء لمساجد. دخلت عليه مرة من أجل مجموعة من الأيتام, فأعطاني مبلغاً لم أذكر أنه أحداً غيره أعطانيه ممن نطلب منه لمثل هذه الأعمال الخيرية.
ويضيف العريفي " حدثني أحد الإخوة أنه في الليلة التي توفي فجرها, كان قد اعتمد مساعدات لأكثر من 200 أسرة, ما بين تسديد لإيجار, ومساعدة لشباب مقبلين على الزواج".
أما الشيخ سلمان العودة فيقول بأن الشيخ عبد العزيزالموسى, كان وقفه في ثلاثة أوجه, فقد وقوف وقفاً مادياً والذي يصرف ريعه لأوجه الخير, وقوفاً معنوياً وهو القدوة الحسنة بأخلاقه, فقد كان تاجرا, ميدانه التجارة, ومع كونه من عامة المسلمين إلا أنه كان تعامل راق, ناضج, كما كان أمينا صديقاً ناصحا يحب الخير للناس والكل أثنى على طريقته في التعامل, ونحسبه ممن عمل في التجارية فصدق وبين فبوركت له في تجارته.
كما أنه وقف وقفاً معنوياً والذي يتمثل في الأبناء البررة الذين اعتنى بهم الشيخ فكان يقدرهم ويربيهم ويحرص لتحقيق قدر من المعاني التربوية لمعرفته أنهم هم الاستثمار الحقيقي والذي نسأل الله أن يسيروا على خطى والدهم ويكملوا ما بدأ.