شهد العالم تفاصيل مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي بالصوت والصورة في مشهد قل أن يتكرر, وذلك بعد رحلة حكم دامت 42 عاما ارتكب فيها الكثير من الجرائم في حق شعبه وشعوب أخرى مستغلا ثروة بلاده النفطية التي بددها في أحلام وخيالات وصلت به إلى دعم ثوار أمريكا اللاتينية!..
دفع الشعب الليبي ثمن شطحات القذافي ونزواته هو وأولاده سنوات طويلة حتى فاض به الكيل وعندما وجد أن الفرصة أصبحت سانحة للإطاحة به قرر الانتفاض وكان يعلم أن هذا سيكلفه الكثير من الدماء فالقذافي لن يستسلم بسهولة وهو ما حدث حيث سقط الآلاف من المدنيين في المعارك بالإضافة إلى التدمير الشديد الذي شهدته معظم المدن..قتل القذافي بهذه الطريقة كان متوقعا فقد رأى الثوار مئات الجثث المدفونة في مقابر جماعية وشهد الكثير منهم على جرائم قتل وتعذيب أمر بها القذافي وأشرف عليها مساعدوه وأبناؤه الذين عاشوا في رفاهية وترف مبالغ فيه كشفت عنه الصور التي وجدها الثوار عقب الاستيلاء على منازلهم في وقت كان يرزخ فيه عدد كبير منهم تحت براثن الفقر والحاجة..
رسائل الربيع العربي ما زالت تتواصل وبنجاح ساحق فبعد فرار بن علي مذعورا عقب أيام قليلة من ثورة الشعب التونسي وظهور الرئيس المصري المخلوع داخل القفص الحديدي بملابس الحبس وحرق الرئيس اليمن في محاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة هاهو القذافي يقتل أمام العالم بعد أن يلقى القبض عليه وهو مختبئ في أنبوب للصرف الصحي مع الجرذان الحقيقيين وليس كما وصف الثوار..الخوف والفزع الذي سيطر على الشعوب العربية طوال العقود الماضية تلاشى في ظل السقوط السريع للطغاة واصبح الثوار على يقين من أن الشجاعة التي يظهرها هؤلاء الحكام أمام الشاشات يستمدونها من الخوف الذي يسيطر على شعوبهم فإذا استيقظت الشعوب ورفعت صوتها مطالبة بحقوقها بانت حقيقة الجبناء..هل يجرؤ حاكم الآن أن يستمر في قمع شعبه دون التفكير في مصير القذافي وصالح وبن علي ومبارك والبقية القادمة؟ ستظل صورة قتل القذافي قابعة في أذهان الطغاة فإما العدل والقبول بخيار الشعب أو الرحيل , وستبعث هذه الصورة الامل في نفوس بقية الشعوب المضطهدة حاملة معها البريق في غد مشرق يواسي جراحهم وحزنهم على شهدائهم..
رغم كل الصور الإيجابية التي حملها مقتل طاغية ليبيا إلا أننا لايمكن أن نتجاهل ما حملته بعض الصور ومقاطع الفيديو من شبهة تمثيل وهوما يتنافى مع قواعد الشرع والقانون كما أنه يعطي صورة سلبية عن الثوار, كما أن الإعلان عن القبض عليه ثم مقتله والكيفية التي قتل بها كشفت عن اختلافات بين الثوار وعدم وجود قيادات ميدانية منضبطة كما كشف عن فجوة بين الثوار في الميدان والقيادات السياسية وهو ما ظهر في مواقف سابقة عندما تم الإعلان عن القبض أو قتل بعض أولاد القذافي ثم يتضح عدم صحة هذه المعلومات وآخر ذلك ما قيل عن مقتل سيف الإسلام في سرت وتأكيد بعض القيادات العسكرية للثوار لهذه المعلومات ثم اتضح أنه ما زال هاربا, لا شك أن الخلافات بين الثوار تتعدى مثل هذه التصريحات وبما أن إعلان التحرير أصبح وشيكا فمن المتوقع أن تظهر المزيد من الخلافات على السطح والخوف أن يكون مقتل القذافي نكالا على الثورة بدلا من أن يكون دافعا لاستمرارها في اتجاه إقامة حكم عادل يستند إلى الشريعة الإسلامية كما صرح بذلك رئيس المجلس الانتقالي..الثوار الآن في أشد الحاجة للوحدة ولم الصف ونبذ الخلافات وتحديد الأولويات وتحقيق طموحات الشعب الذي عانى الكثير ويأمل في سرعة إعادة البناء وعودة الاستقرار والأمن , ولا يخفى على أحد أن القذافي ولو قتل إلا أن فلوله ما زالوا على قيد الحياة وسيسعون لإفشال الثورة كما يفعلون في كل بلد شهدت ثورة ..
لن نبتعد كثيرا عن الحقيقة إذا قلنا أن ثوار ليبيا مثل الثوار في تونس ومصر أمامهم الاصعب فلا ينبغي الركون والاسترخاء, كذلك عليهم الحذر من التدخل الخارجي حيث يرى الغرب أنه صاحب فضل في هذه الثورة بالتحديد خلافا للثورات الاخرى وبالتالي سيسعى بشتى الطرق للحصول على نصيب كبيرمن الكعكة.