لكن المفاجئة السارة لا تكمن فقط في هذا الفوز الذي يعزز معنويات حزب أردوغان في الانتخابات البرلمانية المزمعة في يوليو 2011، لكن في التأثير الإيجابي لهذه النتيجة على القضايا الأساسية التي تشغل حكومة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي الذي يرأسه أردوغان.
وجاءت هذه النتيجة المبهرة بعد أن عمد أردوغان على مدار الأسابيع التي سبقت الاستفتاء إلى شحذ الرأي العام وراء تغيير الدستور -الذي كتب خلال الحكم العسكري للبلاد- من خلال تذكير الأتراك بالحكم الاستبدادي الذي نشأ مع تولي الجنرالات الحكم، والقمع الوحشي الذي تعرض له الشعب التركي.
كما حث أنقرة على تطبيق قوانين تضمن تنفيذ التعديلات الدستورية.
وتضم مجموعة الإصلاحات 26 بندا ينظر إلى معظمها على أنها متدرجة وغير مثيرة للجدل منها بند يجعل من الممكن محاسبة أعضاء الجيش أمام المحاكم المدنية، مع عدم إمكانية محاسبة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا في حالة الحرب. وهذا بدوره يضمن عدم انقلاب الجيش الذي يحركه العلمانيين على الحكومة.
فحزب "العدالة والتنمية" كان هو الحزب الوحيد تقريبا الذي قام بحملة في سبيل تأييد هذه الإصلاحات، بينما عارضتها أو قاطعتها باقي الأحزاب. أي أن حصيلة الـ 58% "نعم" التي حصدتها التعديلات كلها تصب في وعاء "العدالة والتنمية" منفردا، بينما تصب الـ 42% "لا" في أوعية باقي الأحزاب مجتمعة.
لكن بعد نتيجة الاستفتاء أصبح بمقدور قادة الحزب الاطمئنان إلى أغلبية مريحة في الانتخابات تخوله من تشكيل الحكومة المقبلة منفردا.
واستطاع حزب العدالة بهذه التعديلات الحد من سلطة الجيش الذي يمثل معسكر العلمانيين، والحد من سلطات القضاء الذي صار الملاذ الأخير للعلمانيين خاصة مع تراجع قوة الجيش جراء الإصلاحات التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي.
وهذه التعديلات تخول الحكومة أيضا أن تضع قبضة حديدية حول أعناق المتهمين بالتورط في مخططي "المطرقة" و"أرجينيكون"؛ وهي شبكات كشفتها وسائل الإعلام التركية، حيث سعى جنرالات ورجال في الحكومات العلمانية السابقة إلى تنفيذ اغتيالات وتفجيرات بحق شخصيات ومؤسسات علمانية، وذلك بهدف زعزعة الاستقرار والإيحاء بأن حكومة "العدالة والتنمية" غير قادرة على حفظ الأمن في البلاد.
ودأبت الحكومة على منح الأكراد المزيد من الحقوق الثقافية وأنشأت أول قناة تلفزيونية رسمية ناطقة بالكردية في اعتراف ضمنى بالهوية الكردية وهو الأمر الذي كان مرفوضا في عهد القوميين الأتاتوركيين. وتأتي هذه التعديلات في استكمال لتلك الجهود بهدف إنهاء الأزمة التي تهدد المنطقة الجنوبية الشرقية للبلاد.