إلى أن قال: "ولا ريب أنّ تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال: أصل كل بليَّةٍ وشرٍّ, وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامَّة, كما أنَّه من أسباب فساد أُمورِ العامة والخاصة, واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام, والطواعين المتصلة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى, وفشت فيهم الفاحشة: أرْسَلَ الله إليهم الطاعون, فمات في يوم واحدٍ سبعون ألفا, والقصة مشهورة في كتب التفاسير. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا, بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال, والمشي بينهم متبرِّجاتٍ متجملات, ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية -قبل الدين- لكانوا أشد شيء منعا لذلك".
وعلل ابن عابدين رد شهادة من خرج للفرجة على قدوم أمير بقوله: "لما تشتمل عليه من منكرات، ومن اختلاط الرجال بالنساء"([10]).
وقد ذكر الفقهاء أنه يشرع للمرأة أن تبادر بالخروج من المسجد لتسلم من مزاحمة الرجال([14])، واستحبوا للرجال أن يمكثوا ريثما تصدر النساء ما لم يكن المأمومون رجالاً ليس فيهم نساء([15])، وقد مضى في الكلام على شهود النساء للأعياد والصلوات بعض ما ذكره أهل العلم في خروجها للصلاة، وكيف تخرج، ومن أين تدخل، وأين تقف([16])، ومتى تنصرف، وكل ذلك حذار الاختلاط بالرجال.
وقال: "ومن أدلة ذلك أيضاً النصوص الدالة على منع اختلاط الرجال بالنساء، لأن المرأة الموظفة لا تختص بالنساء لا بد أن تخالط الرجال بمقتضى طبيعة وظيفتها. ومن تلك النصوص قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب( فالأمر بكون سؤالهن من وراء حجاب دليل واضح على لزوم الحواجز وعدم الاختلاط"([20]).
من كلام العلامة ابن باز: قال رحمه الله: "والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه"([24]).
ومما قاله رحمه الله: "فمن واجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لاينبغي السكوت عليه، بل يجب الحذر منه، والابتعاد عنه، وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة، في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم، ولايرون بذلك بأساً بحجة أن هذا عادة أجدادهم، وأن نياتهم طيبة.."([28]).
تبين من خلال العرض الآنف أن المنع من اختلاط الرجال بالنساء، ليس من مفردات مذهب معين! فهؤلاء علماء الإسلام بشتى مذاهبهم، وبمختلف أعصارهم وأمصارهم يقولون به. فليست الدعوة إلى ترك الاختلاط إذاً، دعوة إقليمية، ولا مذهبية، بل هي إسلامية إسلامية.