ما من ريب في أن إلقاء القبض على المجاهد البلوشي عبد الملك ريغي وسجنه في غياهب معتقلات نظام الملالي الإيراني، يعد ضربة قوية لجهاد البلوش الذين يعانون ويلات القهر والحرمان على يد "آيات قم"، منذ تسلط خميني ورهطه على السلطة في إيران قبل أكثر من30عاماً. وللمفارقة فإن البلوش وسائر مكونات الشعوب الإيرانية كانوا قد انخدعوا بشعارات خميني الزائفة، وتوهموا أن الثورة"الإسلامية"سوف تُنْهي مرارات نظام الشاه البائد، لكن القوم تمسكنوا فلما تمكنوا صار لسان حال تلك الأعراق-وأكثرها تنتمي إلى أهل السنة والجماعة-يتلخص في قول الشاعر العربي:
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليهِ
فالظلم المزدوج:الصفوي الفارسي بات أشد وأعنف وأعمق، بالرغم من أن البلوش على العكس من أكراد إيران لا يتطلعون إلى الانفصال عنها، وقصارى مطالبهم أن يكون لهم حكم ذاتي محدود وأن يحصلوا على قسط من الحرية الدينية والثقافية لا أكثر!!
ومن المثير للاهتمام أن جماعة(جند الله)التي يقودها ريغي، لا تتجاوز في مطالبها السقف المذكور، في حين يصورها إعلام التقية الدجال على أنها فرع لتنظيم القاعدة، يتطلع إلى استقلال منطقة بلوشستان جنوب شرقي إيران، لإقامة دولة بلوشية تضم البلوش المتوزعين على ثلاث دول هي-بالإضافة إلى إيران-كل من باكستان وأفغانستان المجاورتين!!
وكم تمادت الدعاية الرافضية في الافتراء على البلوش، ولا سيما في حق حركة جند الله التي أثخنت عسكرياً في أزلام النظام وبخاصة الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات الشرسة.فهم يجمعون إلى ما سبق من أكاذيب، اتهام المجاهدين بالعمالة لواشنطن وتل أبيب-على طريقة:رمتني بدائها وانسلتْ-.ويتعامى هؤلاء عن أن الغرب الصليبي كله، لا يبدي أدنى تعاطف مع محنة البلوش، حتى في حدود الاتجار الصليبي الأثير بشعارات حقوق الإنسان، ولا في نطاق أسطورة العداء المزعوم بين اليهود والصليبيين من جهة، والمشروع الصفوي من جهة أخرى؟
وبما أن الكذب هو دِينٌ عند القوم، أو تسعة أعشاره إن شئنا التحديد الدقيق، فإنه كان ديدنهم كذلك في عملية اعتقال ريغي قبل أيام.فقد نشروا قصة مختلقة ادعوا فيها أن مخابراتهم تلقت معلومات مؤكدة من مصادرها عن سفر عبد الملك ريغي من بلد عربي إلى بلد آسيوي فقام سرح الجو في دولة الولي الفقيه بإجبار الطائرة المدنية على الهبوط في الأراضي الإيرانية، حيث أُلقي القبض على ريغي!ّ!
وكان لهذا السيناريو المفتعل جملة أهداف، فهو يضفي بطولات كرتونية زائفة على أجهزة القمع التي فشلت في السيطرة على تسلل بيانات المعارضة الداخلية إلى مواقع الشبكة العنكبوتية بالرغم من الجهود الهائلة والأموال الطائلة والبطش بيد من حديد وأخذ الناس بالشبهات.والهدف الآخر هو التستر على خيانة رئيس باكستان الإسماعيلي آصف علي زرداري، الذي قام بتسليم ريغي إلى جلاديه الصفويين المسعورين.
فزرداري المتهم بالفساد ونهب المال العام في بلده، ارتكب جريمة بكل المقاييس، لأنه سلّم رجلاً يقاتل من أجل حرية شعبه وهو يعلم حقد الصفويين على عامة البلوش فكيف بمقاتل صعب المراس أذل عتاة الحرس الثوري المشتهر بجبروته وانعدام إنسانيته؟
وتاريخياً، كانت باكستان تتوجس من شر طهران، حتى في فترة تبعية النظام السياسي في كل منهما للغرب تبعية صريحة ومعلنة، كما أن تسليم المناضل ريغي انتحار سياسي لأنه سوف يستفز مشاعر البلوش من مواطني باكستان أنفسهم، فهل من عاقل يعرّض أمن الدولة التي يتزعمها لخطر محقق في مقابل لا شيء من دولة منافسة على الأقل؟
لكن من يعلم طبيعة الفرق الباطنية المارقة، لا يستغرب هذا السلوك الشائن من زرداري وأمثاله، فعداؤهم للإسلام هو العنصر الأهم في تكوينهم وهو الباعث الأول وراء قراراتهم وتصرفاتهم!!
لكن اغتباط شرار الخلق بسجن ريغي، أعماهم عن سنة من سنن الله عز وجل التي ليس لها تبديل ولا تحويل، وهي أن قضايا الحق العامة لا تندثر بغياب قائد مهما كانت مكانته، فالشعوب المظلومة تحت نير الاستعمار الصفوي البغيض سوف تواصل جهادها حتى يأذن الله سبحانه بنصرها، طال الزمان أم قَصُر.