ترددت في الآونة الأخيرة بالكثير من وسائل الإعلام عن تفاوض عصائب أهل الحق مع المحتل الأمريكي ومع الحكومة في العراق, ففي الوقت الذي ترفض فيه الحكومة في العراق التفاوض مع أية جهة مقاومة قاتلت المحتل ولكن على نقيض آخر تتحاور مع هذه العصائب وان كان الكثير من المحللين والخبراء يشككون بقيام هذه العصائب بمقاتلة الاحتلال , لكن قبل هذا وذاك لابد أن نعرف من هي هذه الجماعة وما هي انتماءاتها وما هي صلتها ببعض أفراد الحكومة ومن هي الجهة الداعمة لها ؟
العصائب هي حركة كما تفصح عن نفسها بأنها مقاومة للاحتلال الأجنبي للعراق الذي بدأ في إبريل عام 2003 ومؤسسها هو الشيخ قيس الخزعلي مع عدد من رجال وأتباع "الحوزة العلمية الناطقة" التي يقال إنها قد تصدت للمحتل وقد بدأت هذه الحركة بالعمل كمجاميع سرية عام 2004
والحركة تستمد منهجها ومبادئها من فكر المرجع الديني الشيعي محمد محمد صادق الصدر الذي اغتيل في زمن الحكم السابق له عام 1999، وأعضاؤها هم النخبة من "جيش الإمام المهدي" الذي تأسس كتيار شعبي عقائدي رافض للاحتلال,وتصف العصائب نفسها بأنها من ((المقاومة الإسلامية الشيعية)) في العراق, وان لها أجنحة عسكرية, هي (( كتائب الإمام علي, وكتائب الإمام الكاظم , وكتائب الإمام الهادي , وكتائب الإمام العسكري)) وهذه المجموعة كما وصفها الكثير من المحللين أنها تنشط على الانترنت وتظهر الكثير من العمليات العسكرية ضد الاحتلال والتي تبين فيما بعد أنها عمليات قامت بها الكثير من فصائل المقاومة العراقية والعصائب قامت ببعض التحويرات الفنية ونسبتها إلى جماعتها حيث تضع شعارها على أفلام تلك العمليات وحدث ذلك في الأفلام المتضمنة لمشاهد قصف لأهداف أمريكية , أو تفجير عبوات على عجلات أمريكية , مع أن تلك الأفلام هي لعمليات سبق أن تبنتها فصائل المقاومة,بل أن (عصائب أهل الحق) نسبت لنفسها تدمير قاعدة (فالكون) العسكرية الأمريكية في الدورة, وهو انجاز تبناه الجيش الإسلامي، ونسب إليه بالفعل.
وقد لوحظ في هذه الأفلام انه قد تم عمل مونتاج لها بشكل لا يمكن لعاقل استيعابه؛ حيث يظهر في أفلامهم مثلا صور رجال يرمون بسلاح الهاون, يتزامن ذلك مع ضرب مناطق سكنية سنية في بغداد, وعلى ذلك قرينة أخرى هي مكان الإطلاق, ويظهر الرماة في بعض تلك الصور وهم يلبسون زي الحرس الحكومي أو مغاوير الداخلية, في حين اعتادت فصائل المقاومة أن تطلق صواريخها وقاذفاتها من أماكن مفتوحة لأن الرد الأمريكي على عمليات المقاومة يأتي سريعا بحيث يقصف الأمريكان المناطق التي انطلقت منها تلك الصواريخ أو القاذفات, لكن في عمليات عصائب أهل الحق يظهر الرجال يطلقون القاذفات والهاونات من داخل المدن والأحياء السكنية وتبين فيما بعد أنهم يطلقونها على المدن والأحياء السنية ويدعون في أفلامهم أنهم يضربون الاحتلال الأمريكي بل أن ما يثير العجب والاستغراب هو أثناء قيامهم بعملياتهم يظهر فيها أشخاص يرتدون الملابس العسكرية الحكومية وتقلهم السيارات الرسميّة وحصل هذا الأمر في اختطاف الخبير البريطاني بيتر مور وأربعة من حراس شركة (غاردا وورلد) الأمنية في 29 مايو من عام 2007 ولقد كشف بعد ذلك أن السبب وراء اختطاف هذا الخبيرمع أربعة من أفراد حمايته قبل زهاء العامين، من داخل مبنى وزارة المالية، في عملية اتهمت الحكومة بالوقوف خلفها، لإخفاء معلومات تتعلق بحالات فساد مالي في وزارة الماليةوالتي استخدمها مسئولون عراقيون على ما يبدو لاختطاف خبراء بريطانيين كانوا على وشك إتمام برامج حاسوبية تشرف على التعاملات المالية وتكشف حجم التلاعب والسرقات والاختلاسات, وهذا ما تؤكده صحيفة الجارديان البريطانية، إذ أنها تعد العملية من التنظيم بدرجة "لا تستطيع سوى حكومة القيام بها"، بحسب الصحيفة.
ويعترف مستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي بأن: (سبب اختطاف مور، له علاقة بوضع برنامج مالي يقوض من حجم الفساد في وزارة المالية).
ولقد تأكد أمر تعاون هذه الجهة مع الحكومة العراقية من خلال التفاوض والصفقة الثلاثية بين القوات البريطانية والقوات الأمريكية والحكومة العراقية من جهة، والنائب السابق عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد/الكتلة الصدرية، ووزير النقل سلام المالكي، الذي كان قد عاد إلى البصرة، ثم تبيّن انه على صلة وثيقة بتلك الجماعة بحيث صار مفاوضا عنها لدى الحكومة علانيّة، وهنا يبرز موقف الحكومة العراقية في الكيل بمكيالين مع الجهات المسلحة في العراق ففي حين ترفض الحكومة أنباء اتصالات أجراها الجانب الأمريكي مع جماعات مسلحة انخرطت في مجلس سياسي، وتعرقل جهات فاعلة في السلطات الثلاث، عملية إطلاق سراح معتقلين وفيهم الكثير الكثير من الأبرياء، وهم مشمولون بقانون العفو العام ، وفوق ذلك تُنظم حملة إعلامية تحريضيّة لإعادة المطلق سراحهم إلى المعتقلات , لكن في الوقت نفسه تتفاوض مع عصائب أهل الحق لكونها من مذهب معين ولبعض المسئولين في الحكومة العراقية صلة كبيرة بأعمال هذه الجهة ويتأكد ذلك من خلال تصريح الكابتن كامبرلي الناطق باسم الجيش الأمريكي فيقول في تصريحات صحفية، أن عملية إطلاق سراح جماعة العصائب ، تمت "بناء على طلب من الحكومة العراقية، تطالب بالإفراج كجزء من جهودها الرامية إلى تحقيق الوحدة الوطنية!، ولم ير احد ولا يسمع أن معتقلين وفيهم الأبرياء أطلقوا "عملا بالاتفاقية الأمنية بين البلدين" بل تقوم السلطات الأمريكية بتحويل المعتقلين العراقيين إلى الحكومة العراقيّة، ولا يكف المسئولون الأمريكان عن التصريح بأن دورهم ينتهي لغاية إتمام عملية التحويل دون أن يتطرقوا إلى أهمية إطلاق سراح المعتقلين السنة في المصالحة الوطنية , لكن هذا الأمر يطرح عندما يراد إطلاق سراح معتقلين من العصائب لأنهم من الشيعة , حيث تم إطلاق سراح الكثير من أعضاء العصائب عندما حدثت المفاوضات التي أعلنت الحكومة عنها والتي استمرت سنة كاملة، بحسب القيادي في الجماعة ووزير النقل السابق سلام المالكي، تمخضت عن اتفاق الجانبين على إطلاق الحكومة لسراح ما تبقى من عناصر الجماعة حيث أطلقت الحكومة سراح 600 من عناصر العصائب وفي الطريق إطلاق سراح 100 إلى 150منهم، في مقابل إطلاق سراح الخبير البريطاني المختطف والمفاوضات مستمرة بين تلك الجهات الثلاث لإتمام عمليات التبادل.
علاقة هذه العصائب بإيران وبجيش المهدي :
يبرز ارتباط هذه العصائب بجيش المهدي والتي ترتبط بها ارتباطا وثيقا بعدما أصدرت (عصائب أهل الحق) إصداراً مرئياً، بعنوان: (الوارثين) في ذكرى مقتل محمد صادق الصدر والد مقتدى، وتبنت بعد تفجير سامراء سلسلة عمليات (ثارات العسكريين) تزامناً مع جرائم جيش المهدي باستهداف مناطق أهل السنة ومساجدهم، ولم نسمع أو نقرأ ـ لا سابقاً ولا لاحقاً ـ من (مكتب الشهيد الصدر) أو من (جيش المهدي) أو من ممثلي التيار الصدري في البرلمان والحكومة، براءةً لما تنشره هذه المجاميع من انتساب لها , وبالرغم من الإشارات المتكررة التي يروجها موقع ( ممهدون وهو موقع للعصائب) لربط العصائب بالتيار الصدري . فان التيار لم ينف صلته بهذه المجموعة والمعروف أن مقتدى الصدر يعلن باستمرار انه يتبنى المقاومة السلمية ضد المحتلين
أما ارتباط هذه الجماعة بإيران فهو ارتباطا وثيقا وبجهات مؤيدة لإيران وبرز ذلك بعد أحداث سامراء الأولى عام 2006، وبلغت قمتها في حرب يوليو من نفس العام بين (حزب الله) لبنان و"إسرائيل"، حين تبنت (عصائب أهل الحق) عدة عمليات مصورة في سلسلة سميت بـ(نصرة الوعد الصادق) في ربط واضح مع (حزب الله) اللبناني.
حيث إن بصمة (حزب الله) اللبناني واضحة جداً على الأداء العسكري والإعلامي وعلى تدريب عناصر مجموعات (المقاومة الشيعية) المزعومة، بل تكاد قناة (المنار) تنفرد بعرض أخبار وتصوير عمليات هذه المجاميع، برغم أن عمليات المقاومة العراقية السنية قد تجاوزت الألوف ,ففي برنامج ( ماذا بعد ؟ ) الذي يبثه تلفزيون المنار وفي حلقة منه عرضت في 21/3/2008 انتقد مقدم البرنامج ( وسائل الأعلام العربية والعراقية والعالمية , وحتى تلك التي تدعي كذباً دعمها للمقاومة )بحسب قوله بسبب ما اسماه بـ ( التعتيم المتعمد ) على عمليات عصائب أهل العراق , أما ضيف البرنامج واسمه ( عمرو ناصر ) , فقد زعم أن الجنرال الأمريكي باترويس صرح بان 85 % من العمليات ضد قوات الاحتلال في العراق , تقوم بها جماعة عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله في العراق ( كتائب أبا الفضل العباس سابقاً) وهو زعم لا أساس له من الصحة , فباترويس لم يصرح بمثل هذا التصريح , ولا قريباً منه.
أما التعاون العسكري بين العصائب و"حزب الله" فهو على أعلى مستوى حيث اتهمت أطراف أمنية عراقية وأميركية (حزب الله) بتدريب عناصر جيش المهدي التي تنتمي إليها تلك العصائب ، وثبت الاتهام بإعلان (مقتدى الصدر) الحداد لثلاثة أيام بعد اغتيال (عماد مغنية)، القائد العسكري لحزب الله في فبراير 2008، ونشرت (عصائب أهل الحق) و(كتائب حزب الله) بيانات نعت فيها (عماد مغنية)، وتبنت حملة ثأراً لمقتله، كان من حصيلتها قصف مناطق سنية، ومما ذُكر في أحد بياناتهم: (نحن في كتائب حزب الله نعاهد القائد الشهيد الحاج عماد مغنية ونعاهد قيادتنا وكافة المجاهدين والمقاومين، بأننا سنبقى على الخط وسيكون كل أخ مجاهد في كتائب حزب الله أخ باراً وفياً لهذا المنهج حتى طرد الأمريكان من منطقتنا).
وأخيرا فان لهذه العصائب علاقة بجماعة الحوثيين وبرز ذلك من خلال البيان الذي أصدرته هذه الجهة على موقعها والذي جاء فيه
(حيا الله المجاهدين اليمنيين الأبطال وقدس الله الشهيد القائد حسين الحوثي ،حيا الله المجاهد بدر الدين الحوثي والمجاهد البطل عبدالملك الحوثي وحيا الله الأبطال الحوثيين الذين أناروا درب الجهاد والتضحية الذين رفضوا الظلم والطغيان في بلادهم ورفضوا الاستكبار العالميّ…. إلى أن يقول في البيان ,اللهم اطرد أعداء الحوثي من رحمتك وادحرهم ،اللهم أحصهم عددا واجعلهم طرائق قددا وشرد بهم من خلفهم ومن بين أيديهم فإنك عزيز منتقم ،وإذ إننا نستنكر الجرائم والانتهاكات اللا إنسانية من قبل الحكومة اليمنية نعزي عوائل الشهداء وندعو لأهالي صعدة الصابرة بالنصر واليمن والسلامة وقلوبنا معهم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).