كثيرة هي الأوقات التي نقضيها في انتظار الطبيب، أو الموظف،أو الإشارةالمروريّة، والأكثر يضيّعونها في التذمّر والتأفف والانفعال المعبّر عن نفاد الصبر،وكأنّه لا يعنيهم إلا أمر أنفسهم، (وَطَائِفَةٌ قَدْأَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران/154].
ونقرأ في العديد من المطويات الإرشادية التحفيز إلى استثمار هذه الأوقات الضائعة بالذكر، ونعمّا أوصت به، فإن ذكر الله تعالى حياة القلوب والأرواح، وطمأنينة النفوس، ورفع الدرجات، وحط الذنوب، ورضا علّام الغيوب، وسعة الرزق، وصحة البدن، وخير الدنيا والآخرة.
وقد أثنى الله تعالى على الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، وأمر سبحانه بأن نذكره ذكراً كثيراً ، ونسبّحه بكرة وأصيلاً، ووعد من ذكروه بأن يذكرهم، وأمر بإقامة الصلاة لذكره ، وبذكره تطمئن القلوب، وتخشع النفوس، وتذلل الصعاب، وتقطع الفيافي؛ فهو سلوة الحزين، وريّ العطشان، وزاد الجائع، ووجدان المحروم ، وتنفيس المهموم، وعزّ المضيم، ونفس الكظيم.
والتفكر جاء ذكره في القرآن في معرض المدح فقال سبحانه : { إِنَّ فِى ذَلِكَ لذكرى لأُوْلِى الألباب } [ الزمر : 21 ] ، { إِنَّ فِى ذلك لَعِبْرَةً لأُوْلِى الأبصار } [ آل عمران : 13 ] ، { إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَاتٍ لأُوْلِى النهى } [ طه : 54 ، 128 ] وأيضاً ذم المعرضين فقال : { وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى السموات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [ يوسف : 105 ] ، { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } [ الأعراف : 179 ]
وفي قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )[الأعراف/146] قال الحسن : أمنعهم التفكر فيها.
وقال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نعم الله من أفضل العبادة.
وقد يكون التفكير أوسع من ذلك بأن يفكر في كل ما يهمه ويعنيه من أمر نفسه وتدبير مصالحها، أو أمر أسرته، أو شركته أو مؤسسته، أو شعبه وأمته، أو يحاول إبداعاً أو اختراعاً ينفع النفس أو الناس، وتتوارثه الأجيال، ويسهّل الحياة أو يحلّ مشكلاتها أو يزيد عطاءاتها.
أراك سارحاً شارد الذهن ، قد انقطع حبل تفكيرك ، فهو يهيم في كل واد، ويصيخ لكل مناد، وما هكذا يكون الفكر والتأمل، فالفكر حركة إرادية موفورة يوجهها المرء إلى حيث يحب، ويسلطها على الصخور الصمّاء ؛ فتفتتها وتستخرج منها كوامن العبر والعجائب.
ألا يحزنك أن تدري أن الإنسان لا يستخدم أكثر من 10% من مكوّنات عقله، ومع هذا وصل فيها إلى ما وصل، والكثير منا لا يستخدم عقله إلا في حالات قليلة؛ فكل سؤال عنده له جواب قد فرغ منه، وكل مشكلة لها حلّ، وكل معضلة فأمرها سهل، وما هي إلا عبارات مزوّقة، مزخرفة منمّقة، وأقوال مقلّدة، وكلمات من طرف اللسان ليس فيها تحقيق ولا تدقيق، وكم أضل هذا من أقوام، وأضاع من فرص!!
المصدر : الإسلام اليوم