بخلاف الشروط التي يضعها الفقهاء في السياسة الشرعية الإسلامية لدينا، والتي لابد من توافرها في من تكلفه الأمة بالخلافة، من قيم أخلاقية ومعرفية وعلمية، وكفاءة في القدرة على القيادة على نحو عادل وحكيم ورحيم، تبدو أحد أهم الشروط الآن في شغل منصب في الكيان الصهيوني أو آخر يتعلق بالأمن القومي والقوات الأمريكية هي الدراية بكيفية التعامل القاسي مع الإسلام وأهله.
وقد سبقت الانتخابات الصهيونية مسابقة تبارى فيها القتلة "الإسرائيليون" في ارتكاب المجازر طمعاً في كرسي رئاسة الحكومة؛ فذاك لا يمنحه الصهاينة إلا للقادر على قهر الفلسطينيين على قبول الحلول الظالمة المجحفة، والقاتل المحترف الذي يحقق مطامح قطعان المغتصبين المستأجرة لأدوات القتل.
بنيامين نتنياهو أحد هؤلاء المنتخبين صهيونياً بسبب خلفياته الدموية، ليس على الصعيد الميداني وإنما كذلك على أرضية تنظيرية واسعة؛ فالرجل منذ العام 1976 كان مديرًا لمعهد يوناتان وهو مؤسسة لبحث سبل مكافحة الإرهاب، وله العديد من المؤلفات المؤهلة له لكي يكون ضمن منظومة الحرب على الإسلام؛ فمبكراً ألف كتاب "الإرهاب؛ كيف يحقّق الغرب الانتصار" في العام1986 ، وألف كتاب "الإرهاب العالمي: التحدي والرد" في العام 1991.
وأخيراً كتاب "مكافحة الإرهاب: كيف تستطيع الدول الديمقراطية إلحاق الهزيمة بالإرهاب المحلي والعالمي" وذلك في العام 1995.
هذه المؤهلات النظرية بالطبع لكي يتدفق الناخبون لصناديق الاقتراع لانتخاب نتنياهو مجرم الحرب العتيد رئيساً للحكومة الصهيونية، وحزبه الدموي للحكومة القادمة، وكي يحظى بتكليف مهندس القنبلة النووية "الإسرائيلية" متعهد قتل الأطفال في قانا وغيرها شيمون بيريز بتشكيل الحكومة الجديدة.
أما ميدانياً؛ فقد كان نتنياهو (50 عاماً) جندياً وضابطاً في إحدى وحدات الكوماندوز في جيش العدوان إبان اعتداءاته على مصر وسوريا ما بين العامين 1967 و1972 أي قبل الهزيمة الصهيونية أمام مصر بعام واحد، وأنيط به في مباحثات مدريد، حيث كان عضواً في وفد "إسرائيل"، أن يماطل في المباحثات الممتدة، وعندما كان رئيساً للحكومة الصهيونية ما بين العامين 1996 و1999 لم تتقدم مباحثاته مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيد أنملة، حتى في مباحثات واي ريفر التي لم تسفر حينها عن شيء، وينتظر أن يواصل الرجل سياسته ذاتها مع الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته، محمود رضا عباس ميرزا، الذي أفرغ حقيبته التفاوضية من أوراق المقاومة نهائياً، ويتوقع أن يصاب فريقه بخيبة أمل عند بدء أي مباحثات مع نتنياهو الذي من المحتمل أن يسعى الرئيس الأمريكي إلى دفعه إلى جولة قادمة من المباحثات.
الرئيس الأمريكي، قد تزاحمت أمامه التقارير، تفضل إليه البدء من القضية الفلسطينية إلى الخارج الإقليمي وليس العكس، غير أن نتنياهو تختمر لديه فكرة أخرى، وهي الهروب إلى الإقليم بدلاً من الداخل الفلسطيني.
بالنسبة إلى نتنياهو تبدو فلسطين كثقب أسود يدرك تماماً أنه قادر على ابتلاعه وحكومته كسابقيه، وهو يعلم أن خطابه الحنجوري سيصطدم بصخرة المقاومة العاتية، لذا فقد قرر أن يهرب إلى الأمام قليلاً، وأن يتحدث عن الخطر النووي، وكأن المعضلة الفلسطينية ليست الأولى على مكتبه!!
وهذا الهروب أيضاً هو معضلة بحد ذاته، لأنه يفهم جيداً أن قوى دولية تريد إدخال إيران إلى النادي النووي بأقرب فرصة ممكنة، وأن "إسرائيل" لا يتوقع كثيراً أن تقف حجر عثرة في طريقها إلى هذا النادي؛ فماذا عساه يصنع نتنياهو في هذه الأحجية؟!
يلقي حديث نتنياهو الرعب في قلوب كثير من المنافقين، لكن تاريخه ليس مقلقاً بشدة كونه لم يفلح أبداً في فرض إرادته على الآخرين لاسيما الفلسطينيين، الذين أفادوا ـ للمفارقة ـ في فترة حكمه السابقة من فترة الهدوء النسبي في رص صفوف المقاومة قبل أن يعتزل نتنياهو الحياة السياسية ثم تشده من جديد إلى بريقها الأخاذ.
يصيب وجود نتنياهو بعض الرؤساء بالقلق لاسيما وهو لا يشعرهم بالتقدير والاحترام، لكن الشعب الفلسطيني يدرك من هو هذا النتنياهو ويعلم أن خياراته ومن هم عن يمينه أو شماله صارت جد محدودة.