وفي موقف آخر هو أشد وأصعب، ومن الأمور التي تعتبر خيانة كبرى للأمة، ودواؤها –في الغالب- هو القتل أو الإعدام، وذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- الذي أرسل رسالة بلّغ فيها العدوَّ الأول للنبي –صلى الله عليه وسلم- في مكة بسر من أسرار الجيش الإسلامي، فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن عاتبه بالأسلوب التربوي، فقال له عندما قرئ عليه الكتاب: (يا حاطب ماهذا؟) وفي بعض الروايات: (ما حملك؟) أو (ما حملك على ما صنعت؟) كما في بعض الرواياتأيضا.
وهذا -كما يبدو- بمعنى: (لم صنعت) المذكورة في حديث أنس.
والسؤال الآن: ما الفرق بين أسلوب النبي –صلى الله عليه وسلم- في مواقفه مع أنس وموقفه هنا مع حاطب، وهل هناك تعارض؟
والذي يتبدَّى لي أنه ليس هناك ثمة اختلاف جذري أو جوهري.
وفي قصة الثلاثة الذي خلفوا -كما في الصحيحين- لم يزد النبي –صلى الله عليه وسلم- على أن قال لكعب: (ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟) حتى إذااعتذر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: (أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضيالله فيك) والواضح أن قوله -عليه الصلاة والسلام- (ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟) ليس علىسبيل التوبيخ، وإنما على سبيل الاستيضاح، فكأنه فَهِم أن شراءه للدابة إنما كان لأجلالمشاركة في الغزو.
إننا كثيرا ما نخرب توجيهاتنا التربوية وتصحيحنا لأخطاءأبنائنا أو من تحت أيدينا بأسلوب التوبيخ الذي يساهم بشكل فعال في قتل وهضم شخصياتالمتربين، وإخراج شخصيات محطمة أو خجولة أو خائفة أو غير واثقة، أو غير مبادرة.وفي البخاريمن حديث عمر -رضي الله عنه- قال: أن رجلاً كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمهعبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يُضحِك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان رسول الله -صلىالله عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأُتِيَ به يوماً، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم–: ((لا تلعنه فإنهيحب الله ورسوله))