أبى وفد حركة فتح الذي يحاور حركة حماس برعاية القاهرة،إلا أن يكشف أوراقه الحقيقية والمهمة الفعلية اليتيمة المكلف بها من سلطة رام الله.وربما استدعى هذا الوضع إلى ذاكرة المرء قول الشاعر الشهير زهير بن أبي سلمى:
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ وإن خالها تَخْفى على الناس تُعْلَمِ
فالغاية الوحيدة التي سعى مندوبو عباس إلى بلوغها من الحوار،تلخصت في تمديد ولاية محمود عباس على رأس السلطة،في رهان مفضوح على عامل الزمن الصهيوني،حيث يتواصل الاستيطان الإجرامي على حساب الأرض وأهلها الصابرين المرابطين،وحيث يستمر الحصار الهمجي للشعب المجاهد في غزة فلعله ييأس وينقلب على مشروع المقاومة الذي تتبناه حماس وفصائل جهادية أخرى بمن فيها شرفاء فتح المنشقون عن خط التحريف والتآمر الاستسلامي.
وليس سرّاً أن الدحلانيين عرقلوا الحوار طويلاً عندما ظنوا أن تحرضهم للعدو لكي يعيد احتلال قطاع غزة ويخلصهم من المقاومة بالقوة،لكن أمنياتهم الشيطانية باءت بالفشل الذريع،إذ رفض اليهود العودة إلى ما يسمونه بصراحة"جحيم غزة"!!وإن كان هدف القضاء على حماس وشركائها حلم أحلامهم.
وقد استفزت مماطلة عباس ورهطه المصريين الذين لطالموا كانوا أقرب سياسياً إلى خط التسوية وتوصيات اللجنة الرباعية الدولية وكانوا يناوئون خط حماس.غير أن التسويف غير المفهوم من جانب فتح،جعلهم يتصرفون أخيراً بقدر أكبر من الموضوعية.
من هنا لم تجد عصابة رام الله مفرّاً من الذهاب إلى العاصمة المصرية راغمين،على أن تتركز مساعيهم الخبيثة على نسف الحوار من داخله.ولذلك رفضوا اقتراحاً مصرياً بالجلوس مع ممثلي حماس للبحث عن حلول سياسية للإشكالات بين الطرفين،باعتبار أن المشكلة الأم تكاد تنحصر بينهما.
بيد أن حنكة حماس وصبر المصريين نجحا في إحباط هذا المسلك الشائن لإفشال الحوار ثم تحميل المقاومين وزر الفشل المتعمد.وتعويضاً عن الإخفاق الجديد،عمد أزلام عباس إلى تقديم مشروع مزدوج يقوم على تجزئة الحل من جهة،وعلى استقدام قوات عربية إلى قطاع غزة!!
فأما الشطر الأول فيرمي إلى اقتناص تمديد سلطة عباس بصورة تخالف كل النظم والقوانين المعتمدة-وهي من وضع فتح وحدها أصلاً ومفصلة على مقاس المتنفذين فيها!!- ثم يجري
افتعال مشكلات جديدة للحيلولة دون المضيّ في تنفيذ البنود الأخرى.
وأما الشطر الثاني من القنبلة الفتحاوية الموقوتة،فيكمل الشطر الأول،بحيث يصبح العرب أداة للتخلص من حماس،تحت راية تطبيع الأوضاع في القطاع الصامد.وفات هؤلاء الواهمين أن العرب بعامة لا يمكنهم القبول بأن يتحولوا جنوداً تحت الطلب لمصلحة فئة فلسطينية أيّاً تكن ولحساب الاحتلال المتربص بالقضية وأهلها تمهيداً لتصفيتها نهائياً.كما أن التجارب السابقة والتي تمت في ظل شروط أفضل كانت مخيبة للآمال.فتجربة قوات الردع العربية في لبنان لقيت نهاية مأساوية سياسياً وانتهت بخروج سريع وكأنها مهّدت-من حيث لا تدري-لتمكين قبضة نظام الأسد الأب على لبنان لحسابات شخصية وحزبية وطائفية أدت إلى نتائج كارثية ما زالت ثمارها المُرّة تتوالى حتى اليوم.
بل إن العرب انقسموا أمام احتلال صدام حين لدولة الكويت وهي قضية حق شديدة الوضوح،فهل يتفقون الآن ضد حماس التي تمثل نصف الفلسطينيين على الأقل؟وهل حماس قوة احتلال أجنبية في غزة؟أوليست مفارقة صارخة أن عباس يريد من العرب الذين لم يحاربوا الاحتلال اليهودي لغزة على مدى عشرات السنين سوف يحاربون أهلهم الفلسطينيين العزل المحاصَرين ولو كان ذلك باسم فصل قوات أو حفظ سلام أو غيرها من لافتات الخداع المكشوفة؟.