مجيئها كان مفاجأة كبيرة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين، بل ولكل المراقبين بشغف للانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ فقد كان المتوقع أن يقدم العجوز جون ماكين على اختيار مرشحاً مثله مخضرماً في السياسة، بعيداً في الوقت نفسه عن وراثة ديون الرئيس الجمهوري جورج بوش السياسية والاقتصادية، والمثقلة بكل ما هو سيء على الصعيدين هذين.
على الكفة الأخرى كان كثيرون يتوقعون أن تحل على المكتب البيضاوي السيناتور هيلاري كلينتون إن في منصب الرئاسة أو نائبة للرئيس إذا ما فاز باراك أوباما بالانتخابات، وهو ما تلاشت توقعاتهم فيه بعد أن أطاحت الانتخابات التمهيدية الديمقراطية بكلينتون ثم أعرض أوباما عن ترشيحها كنائبة له.
امرأة انسحبت وأخرى استأنفت السباق نحو البيت الأبيض، لكن ماذا عن الأخيرة التي قلبت موازين الصراع الانتخابي على غير توقع؟! في لحظة كانت "التبرعات" تتدفق بلا حساب على مرشح الجمهوريين جون ماكين حتى بلغت بعد الإعلان عن ترشيحها فقط 47 مليون دولار، واللافت أن الفارق بين المرشحين في الاستطلاعات قد ضاق بعد الكشف عن مشاركة سارة بالين لماكين منصة الترشيح والخطابة لأنصار الحزب الجمهوري خصوصاً والأمريكيين بصفة عامة، ليصبح نقطة واحدة بعدما كان يبلغ عشرة نقاط قبل الإعلان عن ترشيحها.
بالين التي تبلغ من العمر 44 عاماً والقادمة من أكثر الولايات برودة/ألاسكا، سخنت الصراع الانتخابي لأقصى درجاته عندما أبدى ماكين أنه أكثر "احتراماً" للمرأة من الديمقراطي أوباما، وأكثر "اعتدالاً" حين سمح لهذه العصامية الأمريكية والمتزوجة من عامل بقطاع النفط في ولاية ألاسكا التي تحكمها من النفاذ إلى هذه المنصة العالية في السياسة الأمريكية.
وماكين لن يعدم أن يفخر بنائبته المتدينة التي تواظب بانتظام على الذهاب إلى كنيستها وتحافظ على حياة عائلية مستقرة، حيث تحتفظ بزواجها منذ عشرين عاماً ويقيم معها أولادها الخمسة الذي سيفاخر ماكين أيضاً بها كوطنية مكافحة للإرهاب حين يذهب ابنها البالغ من العمر 18 عاماً للقتال في العراق ضد "الإرهاب"، لاسيما وهي تعتبر حرب العراق ”مهمة إلهية” وترى أن القوات الأميركية تقاتل هناك في سبيل ”قضية عادلة”!!
"عندها سيرة ذاتية مذهلة (…) عندما يقارن الناس بين عملها وبين عمل السناتور أوباما فسوف يكتشفون أن سيرته الذاتية ضعيفة جدا"، كذا قال المرشح الجمهوري عن رفيقته في رحلته الافتراضية إلى البيت الأبيض، لكن هذه السيرة المذهلة ليست إلا حكم ولاية صغيرة في أقصى الشمال لا يمكن مقارنتها أبداً بحكم الولايات المتحدة بكل ثقلها السياسي والإداري والاقتصادي والعسكري.
ربما من الممكن أن يقدمها ماكين كـ"زاهدة" لا تقيم في مبنى ولاية ألاسكا وتفضل بيتها وأولادها عليه، لكنه قد لا يستطيع تقديمها كسياسية بارعة.. لكن من قال بأن الناخب الأمريكي يتوق إلى سياسية عندما يتعلق الأمر بامرأة؟! إن محركات البحث العالمية سجلت زيارات هائلة لصفحات تتولى التعريف ببالين، لكن التركيز ـ وفقاً للإحصاءات ـ ينصب على جسد بالين كـ"ملكة جمال" سابقة.. هكذا يفكر كثير من الناخبين، لكن الأعجب أن يكون تقديم بالين للناخبين من قبل "المحافظين" في الحزب الجمهوري.. إنها إذن علامة مهمة تستحق التأمل.
لكن الدرس الأهم ربما، هو كيف يتم التلاعب بهذا الناخب عندما يكون على الجانب الآخر مرشح بتاريخ أوباما الذي لا يروق كثيراً لكل من يبغض كل ما يمت للإسلام بصلة ولو كان جذور عائلية أو قرابة محددة!!