باءت محاولات إطاحته من قبل تنظيم القاعدة بالفشل، وضلت عمليات الاغتيال التي قام بها التنظيم طريقها لتغييبه عن الساحة السياسية، بل ربما منحته مزيداً من الكاريزما السياسية، ونجح حزبا "بوتو" و"شريف" في إطاحته أخيراً من منصبه، وفي ذلك مغزى لمن يخبر السياسة وأسرارها ومعادلاتها.
استقال الرئيس الباكستاني في النهاية بشكل مهين، عندما لفظته باكستان كلها، وانقطعت به السبل وانتهى دوره؛ فلم يكن في الحقيقة إلا سلعة للاستخدام مرة واحدة، وقد تم استخدامه وانتهى الأمر.
منذ أن ولد في نيودلهي في العام 1943 لأسرة فقيرة يشتبه في أنها قاديانية الديانة والأقدار تسوقه من قمة إلى قاع ومن دنو إلى ارتفاع، وما بين تكريمه في الجيش في العام 1965 عندما منح نيشان البسالة بعد مشاركته بحرب ضد الهند التي ولد بها، وبين إرغامه على ترك الجيش الذي ضاق به ذرعاً ولم يعد مستعداً لمزيد من توريط مشرف له في الصراعات السياسية في العام الماضي، تدور بمشرف العديد من الأحداث التي قفزت به إلى السلطة ثم قفزت به منها في 18 من الشهر الحالي.
تماماً مثل مصير شاه إيران، تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن الحاكم الذي كرس فترة حكمه لخدمتها، وفعل كل ما تريده تلك الدولة العدو لبلد باكستان المسلمة؛ فقد وافق مشرف في العام 2001 على مطالب الولايات المتحدة بالسماح لها باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان التي رفضت تسليم بن لادن بعد اتهام أميركا له بتفجيرات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001، ما جعل الباكستانيين يتفاجؤون بقوات أمريكية تحط على أرضهم بالقرب من منشآت باكستان النووية، وقيام طائرات أمريكية بانتهاك السيادة الباكستانية جيئة وذهابا كلما خطر ببال قادتها شن حملات جوية على ما أماكن يشتبه بوجود قادة للقاعدة أو طالبان فيها، ما جعل هذا البلد النووي ضعيفاً بلا داعٍ أمام الولايات المتحدة وبحجة المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب صارت باكستان بلداً بلا سيادة جوية إبان حكم مشرف.
وأغضب مشرف جميع الباكستانيين واستدعى غضباً واسعاً في أوساط الجماهير عندما أقالت الحكومة الباكستانية ـ بأوامر من الرئيس الباكستاني ـ صانع القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان من مهامه كمستشار لرئيس الوزراء للشؤون العلمية في يناير عام 2004، ومن ثم وضعه تحت الإقامة القسرية بعد تحقيقات معه بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية.
وأثارت مصافحته للمجرم الصهيوني آرييل شارون في سبتمبر عام 2005 على هامش القمة العالمية للأمم المتحدة، حنقاً داخلياً عند الشعب الباكستاني المسلم، وعُد بذلك أول رئيس باكستاني يصافح مسؤولاً "إسرائيلياً".
ونكث مشرف باتفاقه الذي أبرمه مع فريق من الإسلاميين بعدما أقر البرلمان الباكستاني في ديسمبر2003 تعديلات دستورية تعطي صلاحيات واسعة لمشرف بما في ذلك سلطة إقالة الحكومة المنتخبة، في مقابل الاتفاق الذي كان مشرف قد وقعه مع أحزاب المعارضة الإسلامية يتخلى بموجبه عن قيادة الجيش مع نهاية العام 2004 مقابل تمرير التعديلات.
أما أخطر جرائم مشرف فقد كانت أوامره إلى القوات الباكستانية في يوليو عام 2007 بتنفيذ عملية السكوت، وهي اقتحام المسجد الأحمر الذي كان يعتصم فيه المسلمون ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من المصلين.
وقادته الدكتاتورية والتبعية إلى الولايات المتحدة إلى اتخاذ موقف مهين عندما عقد اجتماعا سريا في أبو ظبي مع رئيسة الوزراء السابقة زعيمة حزب الشعب المعارض المقيمة بالمنفى واستدعاها لمشاركة الحكم قبل أن تلقى مصرعها في عملية اغتيال غامضة، وإلى إقالة القاضي افتخار تشودري في مارس في العام 2007 من منصبه كرئيس للمحكمة العليا الباكستانية في إسلام آباد ومتابعته بتهم فساد من أجل عرقلة جهوده من أجل إطاحة مشرف، قبل أن تجبره الضغوط على قبول قرار المحكمة العليا بإعادته إلى منصبه في يوليو من العام ذاته.