(عبد الرحمن ياجينكايا)، اسم قد لا يعني كثيراً للقارئ للوهلة الأولى، لكن الرجل الذي بات حديث الساعة في تركيا والعالم بأسره، يعتبر نفسه، كما يعتبره الكثيرون، أحد أعتى رموز العلمانية، والحارس الأمين على الأيديولوجيا الأتاتوركية في بلاد الأناضول. فهو يقف اليوم في مواجهة واحد من أكثر الأحزاب شعبية في التاريخ الحديث لتركيا بهدف الحد من نفوذه، بل وتقويضه، بحجة جذوره الإسلامية، فما قصة هذا الرجل وخلفية ما قام به مؤخراً؟.
لقد تمكن المدعي العام أثناء فترة توليه منصبه، والتي لا تتجاوز العام، أن يخلق أزمة حكومية كبيرة يمكن وصفها بالزلزال السياسي، إذ حشر الحكومة والرئيس والبرلمان في الوقت نفسه في زاوية ضيقة من خلال الدعوى التي رفعها لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم وقبلتها المحكمة الدستورية. وعلى الرغم من كون (عبد الرحمن ياجينكايا) يمثل النمط التقليدي لموظفي الدولة التركية ورمزًا من رموز الطبقة الاجتماعية الكمالية القومية التي تمثِّل جيلاً يرى نفسه إلى جانب الجيش حافظاً لمبادئ الجمهورية العلمانية وراعيًا لها، فإنَّه لا يمثِّل، بصفته نائباً عاماً، إيديولوجيا الدولة الكمالية وحسب، بل يلعب كذلك دورًا شبيهاً بدور محقق في محكمة التفتيش في مواجهة ما يسميه (التهديد الإسلامي).
ربما كان من الصحيح أن قضية حظر الأحزاب في تركيا الكمالية لا تعدّ أمرًا جديدًا في حد ذاتها؛ فهو تقليد يعود تاريخه إلى عام 1963 وقد بلغ عدد الأحزاب التي تم حظرها حتى يومنا هذا أربعة وعشرين حزبًا. بيد أنَّ هذا التقليد يمسّ للمرَّة الأولى حزبًا حاكمًا يشكِّل الأغلبية في البرلمان أيضاً. ورغم أن طلب حظر حزب (العدالة والتنمية) لم يكن مفاجئًا بالنسبة للبعض في تركيا، فالرجل القانوني الذي يعتبر في الصحافة التركية موظفًا صارمًا كان منهمكاً في جمع كل ما يلزم لمدة تزيد عن خمس سنوات لرفع دعوى حظر حزب العدالة والتنمية. لكنه سرّع في ذلك بعد أن تمّ إلغاء الحظر الذي كان مفروضًا على الحجاب في الجامعات التركية.
ويبدو الأمر غريباً إذا عرفنا أن المدعي العام التركي ذا الأصول الكردية، والمولود في مدينة (أورفة) جنوب البلاد بالقرب من الحدود السورية، هو من نسل عائلة متدينة ومرموقة، وكان جده لأبيه شيخًا معروفًا ومن أتباع الطريقة النقشبندية. في الوقت الذي ساهم فيه الأكراد أنفسهم في دعم فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، وتربط الحزب بالقوميين الأكراد روابط جيدة بخلاف من سبقه من الأحزاب القومية التركية.
درس (عبد الرحمن ياجينكايا) الحقوق في أنقرة، ثم التحق بسلك القضاء، في الوقت الذي كان الجيش قد استولى للمرَّة الثالثة على السلطة. معايشاً انقلابين عسكريين اثنين من الانقلابات العسكرية الثلاثة (1960 و1971 و1980). مما يمكن معه اعتباره ذا عقلية انقلابية بامتياز. عيّن في عام 1998 قاضيًا في المحكمة التركية العليا، وأصبح في عام 2004 نائبًا للمدعي العام، وتقدم مؤخراً بمذكرة اتِّهام تضم 162 صفحة، ويرى مهمته الأساسية في حماية تركيا من “المد الإسلامي”، على حد تعبيره.
بيد أن المتابعين السياسيين في تركيا، وحتى المحسوبين منهم على التيار العلماني، غير مقتنعين بتهمة انتماء حزب (أردوغان) إلى تيار الإسلام السياسي، فهذا الحزب بات محسوباً على اليمين التركي المحافظ أكثر من نسبته إلى الحركات الإسلامية، كما يحلو للحزب أن يصف نفسه بذلك؛ تجنباً لمحاولات التصفية التي وعى دروسها مع أحزاب (الرفاه) و(الفضيلة) وغيرها. ويشير المتابعون إلى احتمال وجود حساب شخصي يقوم المدعي العام بتصفيته بدليل أن وزير العدل بالذات لم يكن يعلم قبل نشر الموضوع بمذكِّرة الاتِّهام التي رفعها (عبد الرحمن ياجينكايا).
ويبدو أن المدعي العام التركي الذي سبق أن حقق مكاسب مهمة في نوفمبر2007 مع طلب الحظر الذي رفعه ضدّ حزب (المجتمع الديمقراطي) الكردي والممثَّل بعشرين نائبًا في البرلمان، وهو الطلب الذي لم تبت المحكمة الدستورية بعد في شأنه حتى الآن، نجح بتحويل نفسه إلى رمز لدى التيارات العلمانية المتصلبة بعد مجاهرته بمعارضة تعديل قانون منع الحجاب في الجامعات. وعلى الرغم من أن كونه نائبًا عامًا لا يمنحه سلطة في حظر الأحزاب أو التحكم بسياساتها، إلا أنه مقتنع بأنَّه وأمثاله هم الرعاة الحقيقيون لمبادئ الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك قبل أكثر من ثمانين عاماً.
والحال أن تآكل طبقة العلمانيين القوميين وتناقص عدد أفرادها، وعدم سماع صوتهم مؤخراً في ظل التفاف الشعب التركي المسلم في غالبيته الساحقة حول حزب العدالة والتنمية بما حققه من طفرة اقتصادية كبيرة، حتى بالنسبة للأكراد الذين لطالما ناصبوا الدولة التركية العداء، هو الذي دفع المدعي العام التركي إلى رفع دعوى الحظر، للحد من شعبية الحزب الجارفة، في ظل تردد الجيش والنخبة العلمانية المهيمنة على مرافق الدولة في القيام بذلك، وإن كان هذا الأمر، أي دعوى الحظر، قد تجر البلاد إلى (موت سياسي)، على حد تعبير المدعي العام التركي نفسه. فهل ينجح سدنة وهم العلمانية التركية المترهلة في الحفاظ على أقانيم مؤسسها المتحجرة؟!.
لقد تمكن المدعي العام أثناء فترة توليه منصبه، والتي لا تتجاوز العام، أن يخلق أزمة حكومية كبيرة يمكن وصفها بالزلزال السياسي، إذ حشر الحكومة والرئيس والبرلمان في الوقت نفسه في زاوية ضيقة من خلال الدعوى التي رفعها لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم وقبلتها المحكمة الدستورية. وعلى الرغم من كون (عبد الرحمن ياجينكايا) يمثل النمط التقليدي لموظفي الدولة التركية ورمزًا من رموز الطبقة الاجتماعية الكمالية القومية التي تمثِّل جيلاً يرى نفسه إلى جانب الجيش حافظاً لمبادئ الجمهورية العلمانية وراعيًا لها، فإنَّه لا يمثِّل، بصفته نائباً عاماً، إيديولوجيا الدولة الكمالية وحسب، بل يلعب كذلك دورًا شبيهاً بدور محقق في محكمة التفتيش في مواجهة ما يسميه (التهديد الإسلامي).
ربما كان من الصحيح أن قضية حظر الأحزاب في تركيا الكمالية لا تعدّ أمرًا جديدًا في حد ذاتها؛ فهو تقليد يعود تاريخه إلى عام 1963 وقد بلغ عدد الأحزاب التي تم حظرها حتى يومنا هذا أربعة وعشرين حزبًا. بيد أنَّ هذا التقليد يمسّ للمرَّة الأولى حزبًا حاكمًا يشكِّل الأغلبية في البرلمان أيضاً. ورغم أن طلب حظر حزب (العدالة والتنمية) لم يكن مفاجئًا بالنسبة للبعض في تركيا، فالرجل القانوني الذي يعتبر في الصحافة التركية موظفًا صارمًا كان منهمكاً في جمع كل ما يلزم لمدة تزيد عن خمس سنوات لرفع دعوى حظر حزب العدالة والتنمية. لكنه سرّع في ذلك بعد أن تمّ إلغاء الحظر الذي كان مفروضًا على الحجاب في الجامعات التركية.
ويبدو الأمر غريباً إذا عرفنا أن المدعي العام التركي ذا الأصول الكردية، والمولود في مدينة (أورفة) جنوب البلاد بالقرب من الحدود السورية، هو من نسل عائلة متدينة ومرموقة، وكان جده لأبيه شيخًا معروفًا ومن أتباع الطريقة النقشبندية. في الوقت الذي ساهم فيه الأكراد أنفسهم في دعم فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، وتربط الحزب بالقوميين الأكراد روابط جيدة بخلاف من سبقه من الأحزاب القومية التركية.
درس (عبد الرحمن ياجينكايا) الحقوق في أنقرة، ثم التحق بسلك القضاء، في الوقت الذي كان الجيش قد استولى للمرَّة الثالثة على السلطة. معايشاً انقلابين عسكريين اثنين من الانقلابات العسكرية الثلاثة (1960 و1971 و1980). مما يمكن معه اعتباره ذا عقلية انقلابية بامتياز. عيّن في عام 1998 قاضيًا في المحكمة التركية العليا، وأصبح في عام 2004 نائبًا للمدعي العام، وتقدم مؤخراً بمذكرة اتِّهام تضم 162 صفحة، ويرى مهمته الأساسية في حماية تركيا من “المد الإسلامي”، على حد تعبيره.
بيد أن المتابعين السياسيين في تركيا، وحتى المحسوبين منهم على التيار العلماني، غير مقتنعين بتهمة انتماء حزب (أردوغان) إلى تيار الإسلام السياسي، فهذا الحزب بات محسوباً على اليمين التركي المحافظ أكثر من نسبته إلى الحركات الإسلامية، كما يحلو للحزب أن يصف نفسه بذلك؛ تجنباً لمحاولات التصفية التي وعى دروسها مع أحزاب (الرفاه) و(الفضيلة) وغيرها. ويشير المتابعون إلى احتمال وجود حساب شخصي يقوم المدعي العام بتصفيته بدليل أن وزير العدل بالذات لم يكن يعلم قبل نشر الموضوع بمذكِّرة الاتِّهام التي رفعها (عبد الرحمن ياجينكايا).
ويبدو أن المدعي العام التركي الذي سبق أن حقق مكاسب مهمة في نوفمبر2007 مع طلب الحظر الذي رفعه ضدّ حزب (المجتمع الديمقراطي) الكردي والممثَّل بعشرين نائبًا في البرلمان، وهو الطلب الذي لم تبت المحكمة الدستورية بعد في شأنه حتى الآن، نجح بتحويل نفسه إلى رمز لدى التيارات العلمانية المتصلبة بعد مجاهرته بمعارضة تعديل قانون منع الحجاب في الجامعات. وعلى الرغم من أن كونه نائبًا عامًا لا يمنحه سلطة في حظر الأحزاب أو التحكم بسياساتها، إلا أنه مقتنع بأنَّه وأمثاله هم الرعاة الحقيقيون لمبادئ الجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك قبل أكثر من ثمانين عاماً.
والحال أن تآكل طبقة العلمانيين القوميين وتناقص عدد أفرادها، وعدم سماع صوتهم مؤخراً في ظل التفاف الشعب التركي المسلم في غالبيته الساحقة حول حزب العدالة والتنمية بما حققه من طفرة اقتصادية كبيرة، حتى بالنسبة للأكراد الذين لطالما ناصبوا الدولة التركية العداء، هو الذي دفع المدعي العام التركي إلى رفع دعوى الحظر، للحد من شعبية الحزب الجارفة، في ظل تردد الجيش والنخبة العلمانية المهيمنة على مرافق الدولة في القيام بذلك، وإن كان هذا الأمر، أي دعوى الحظر، قد تجر البلاد إلى (موت سياسي)، على حد تعبير المدعي العام التركي نفسه. فهل ينجح سدنة وهم العلمانية التركية المترهلة في الحفاظ على أقانيم مؤسسها المتحجرة؟!.