** أهمية الموضوع
إن الغيور على بلده ومجتمعه وأمته وولاة أمره المخلصين ، لا يسعه الصمت ، وهو يرى أو يسمع تجاوزاً للحقائق ، والمثل الصادقة ، وهدراً للمقدرات العامة .
إن مما يكدر الصفو، أن تصبح الشخصية النفعية الذرائعية الوصولية ، أمثلة للأمانة والمسئولية والقدوة ، التي يشاد بها ، وبإنجازاتها والتي هي في الغالب إنجازات الذين يعملون في صمت وهدوء بعيداً عن الأضواء ، فما تحل معضلة ، أو تتعطل مؤسسة من رئيس إلا والأصابع النفعية تشير إلى نفعي كبير متمرس في الذرائعية والوصولية يسد ذلك العجز حتى يحكم الطوق على الأمة والمجتمع ، بل وصل الأمر إلى أكبر من ذلك حيث أصبح النفعيون مكان المستشار الأمين عند من يحسن الظن بهم أو من على شاكلتهم .
إن هكذا تجاوزاً للحقائق ، والمثل الصادقة ، وهدراً للمقدرات يخلط الأوراق التربوية ، ويزعزع الولاء الصادق ، ويحمل ثلة كبيرة من المجتمع على التجافي عن الأداء القوي النافع ، والمشاركة الواقعية في رسم الحلول ، والارتقاء بالمجتمع والأمة .
إن كل هذه الآلام تجعل الغيور يبادر بكلمة ناصحة ، علها تجد أذناً صاغية وعصبة صالحة ، تسهم في الحد من هذا المد السرطاني القاتل ، الذي كاد يفتك بكثير من المؤسسات الرسمية والأهلية ، وعلها تجد وأذناً صاغية لمن تشربت نفسه نجاسة الفكر النفعي الذرائعي الوصولي تهمس في أذنه من قريب أن اتق الله في أداء واجبك ، والقيام بحقوق أمتك ومجتمعك فأنت أجير عندهم .
** محاور الموضوع :
المحور الأول : المنفعة بين الإفراط والتفريط :
إن الإسلام أنصف في نظرته للإنسان ، حيث حدد تركيبته الجسدية والنفسية ، وأشبع حاجاتهما في اعتدال وتوازن ليس له نطير ، كما راعى الفروق الفردية وأصحاب الاحتياجات الخاصة أيما مراعاة ، ونظر إلى المنفعة الدنيوية محاطة بالأحكام الخمسة: الوجوب ، والحرمة ، والاستحباب ، والكراهة ، والإباحة ، وعليه فالمنفعة تصح بشروط هي :
1. أن تكون مباحة شرعاً ، كما قال تعالى : ” ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ” . [ الأعراف / 157] .
2. أن تدخل على الإنسان من وجه مباح شرعاً ، كما قال تعالى : ” ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ” . [ البقرة / 188] .
3. أن لا تتسبب في ضرر له أو للغير ، لحديث ابن عباس رضي الله عنها قال : قال صلى الله عليه وسلم : ” لا ضرر ولا ضرار ” . مسند أحمد [ 1/313] .
المحور الثاني : الشخصية النفعية :
إن تركيبة الشخصية النفعية معقدة أحياناً ، وأحياناً مزدوجة ، فهي خليط غير متجانس ، مما يجعل غير الخبير بها لا يحسن تصنيفها ، فيعرض عن نقدها ، أو يحسن الظن بها ، لما يرى من أساليب التخفي والمكر الذي تتدثر به ، فما هي النفعية ؟ وما سمات أصحابها ؟
إن هذا المحور يحاول أن يضع يد القارئ الكريم على ما يمكن أن يكون إيجابية على هذين السؤالين :
1. النفعية مذهب فلسفي اجتماعي يقول بأن صدق الفكرة في كونها نافعة مفيدة للإنسان ، وإن أضر بغيره ، وأن الأخلاق نسبية ذرائعية ، يستعين بها الإنسان لتحقيق مصالحه الشخصية ، وأن الغاية تبرر الوسيلة .
2. أن النفعية مبدأ لا يقف عند حد ، مهما تجاوز بصاحبه عن الفضائل والثوابت ، والمصالح الاجتماعية العامة والخاصة .
3. إن النفعي إنسان صفيق الوجه يحشر نفسه في كل المعارف والعلوم ، يحفظ جملاً يكررها في كل محفل . يحسن التصفيق الصاخب، والابتسامة الباهتة الكاذبة، والقبل الكثيرة العفنة ، لديه القدرة أن يأتي كلاً بما يحب.
4. أن أصحاب هذا السلوك المشين ، عصابات مقيتة تحيط أنفسها بالغيرة على المصالح العامة ، والمحبة الخالصة للمسئولين ، وفي الحقيقة أنها دعاوى لا يصدقها واقعهم وممارساتهم المستترة القبيحة .
5. إن النفعيين تمرسوا على التخفي وراء الشخصية العالمة بما لم يعلمه الآخرون ، مما يراه أولياء الأمور والمسئولين صالحاً للمجتمع ، فهم يصورن للمجتمع أن أقوالهم وأفعالهم هي الناطق الرسمي للمسئولين .
6. إن النفعيين قمعيون يمارسون ضغوطاً نفسية على المجتمع تتمثل في : التعالي والكبر ، والإقصاء للآخرين ، والنظر إليهم بالدونية ، واتهامهم بكل ما من شأنه أبعادهم عن ما يحقق المصالح العامة ، وتقسيم المجتمع إلى طبقات .
7. إن النفعيين لصوص يسرقون إنجازات من تحت إدارتهم ، ويجيرونها إلى حساباتهم الشخصية ، ناهيك عن خداع البسطاء ، والتكسب بجهودهم ومقدراتهم .
8. إن النفعيين جشعون لا يتورعون عن توظيف الأنظمة لصالحهم ، ومن على شاكلتهم ، طلباً للجاه والشهرة ، وتكديساً للأموال والثروات التي هي حقوق للآخرين المغلوبين على أمرهم .