لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة ومكانة البيت العتيق؛ لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد _عليه الصلاة والسلام_ في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم وفي كتب التفسير، والأمر بحمد الله واضح، ولكن لا مانع من التذكير في هذا الموضوع، وذلك من خلال المحاور التالية:
أولاً: يقول الله _عز وجل_ في كتابه المبين: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” أوضح الله _سبحانه_ في هذه الآيات: أن البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس وأنه مبارك وأنه هدى للعالمين، وهذه تشريفات عظيمة ورفع لمقام هذا البيت، وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر _رضي الله عنه_ أنه سأل النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن أول بيت وضع للناس، فقال _عليه الصلاة والسلام_: ” المسجد الحرام ” قلت: ثم أي؟ قال: ” المسجد الأقصى ” قلت: كم بينهما؟ قال: ” أربعون عاماً ” قلت: ثم أي؟ قال: ” حيثما أدركتك الصلاة فصل فإن ذلك مسجد “.
ثانياً: هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول ببت وضع للناس ليعبد الله فيه ويطاف به هو هذا البيت، وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل، وأول بيت وضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم _عليهم الصلاة والسلام_، وكان بينهما أربعون سنة ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله _عليه الصلاة والسلام_.
ثالثاً: هذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه والطواف به والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب وغفران الخطايا، كما قال _تعالى_: ” وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ” فالله _سبحانه_ قد جعل هذا البيت مثابة للناس أي يثوبون إليه ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا عنه أحبوا الرجوع إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات وتكفير السيئات.
رابعاً: جعل الله بيته العتيق آمناً يأمن فيه العباد، فهو حرم آمن، فيأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الحرم فيأمن فيه حال وجوده فيه حتى يخرج، فلا ينفّر ولا يقتل، قال الله: ” وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ” أي: وجب أن يؤمّن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد ولا قتل لا.. بل قد يقع، وإنما المقصود ” ومن دخله كان آمنا ” أي وجب تأمين من دخله وعدم التعرض له بسوء، ولقد كانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج.
خامساً: كما أن هذا الحرم العظيم جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود كما قال في الآية: ” وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” والقائم هنا هو: المقيم، وهو: العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم: المصلون ولهذا نبه النبي _صلى الله عليه وسلم_ على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده ولا يعضد شجره ولا يختلى خلاه ولا يسفك فيه دم ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف فيجب على المسلمين كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد _صلى الله عليه وسلم_ أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين والظلم لهم والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم، كما يجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه والمتعبدين فيه.
سادساً: يجب على المسلمين أن يطهروه هذا البيت ويحذروا معاصي الله فيه، وأن يُتقا غضبه وعقابه، وألا يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يقاتل بعضهم بعضا؛ لأن السيئة فيه عظيمة، كما أن الحسنات فيه مضاعفة، والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، بل من جهة الكيفية، فإن الأصل: أن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، ولذلك قال الله: ” وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ” ومن يرد فيه: أي يهمّ فيه ويقصد، بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ، ويقول _جل وعلا_ في صدر هذه الآية ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي ” وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد، وهو: الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.
ولما فتح الله لنبيه _صلى الله عليه وسلم_ لما فتح مكة خطب الناس وقال: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمه الناس، وأن الله _جل وعلا_ لم يحله لي إلا ساعة من نهار وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب، وقال: إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دماً أو يعضد فيه شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد أي معرف ” فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم، فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم وأكبر، فليس لأحد أن يُحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سِلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر، ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل فِيهِ؛ لأن فيه ” آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ” فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم الذي تعبد فيه، ومن ذلك المشاعر؛ عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحِجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، فيجب على المسلمين تجاه هذا الحرم الشريف أن يصونوه ويحفظوه ويحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجب نبيه ورسوله محمد _صلى الله عليه وسلم_، وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى وحمايته من كل معصية ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير وكف الأذى عنه، وأنه لا يجوز لأحد أبداً أن يؤذوا أحداً من الناس، لا بكلام ولا بفعال، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر أو من يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه، وأما من آمن بالله واليوم الآخر إيماناً صحيحاً، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره؛ لأن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فمكة المكرمة هي أفضل البقاع وهي أحب البلاد إلى الله وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، ثم المسجد الأقصى، فهذه هي المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، وهي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.
نسأل الله _عز وجل_ بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يوفق المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق ومدينة رسوله الأمين _عليه الصلاة والسلام_ من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم إنه _جل وعلا_ جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً: يقول الله _عز وجل_ في كتابه المبين: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” أوضح الله _سبحانه_ في هذه الآيات: أن البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس وأنه مبارك وأنه هدى للعالمين، وهذه تشريفات عظيمة ورفع لمقام هذا البيت، وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر _رضي الله عنه_ أنه سأل النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن أول بيت وضع للناس، فقال _عليه الصلاة والسلام_: ” المسجد الحرام ” قلت: ثم أي؟ قال: ” المسجد الأقصى ” قلت: كم بينهما؟ قال: ” أربعون عاماً ” قلت: ثم أي؟ قال: ” حيثما أدركتك الصلاة فصل فإن ذلك مسجد “.
ثانياً: هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول ببت وضع للناس ليعبد الله فيه ويطاف به هو هذا البيت، وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم _عليه الصلاة والسلام_، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل، وأول بيت وضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم _عليهم الصلاة والسلام_، وكان بينهما أربعون سنة ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله _عليه الصلاة والسلام_.
ثالثاً: هذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه والطواف به والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب وغفران الخطايا، كما قال _تعالى_: ” وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ” فالله _سبحانه_ قد جعل هذا البيت مثابة للناس أي يثوبون إليه ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا عنه أحبوا الرجوع إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات وتكفير السيئات.
رابعاً: جعل الله بيته العتيق آمناً يأمن فيه العباد، فهو حرم آمن، فيأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الحرم فيأمن فيه حال وجوده فيه حتى يخرج، فلا ينفّر ولا يقتل، قال الله: ” وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ” أي: وجب أن يؤمّن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد ولا قتل لا.. بل قد يقع، وإنما المقصود ” ومن دخله كان آمنا ” أي وجب تأمين من دخله وعدم التعرض له بسوء، ولقد كانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج.
خامساً: كما أن هذا الحرم العظيم جعله الله مثابة للناس وأمناً، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود كما قال في الآية: ” وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” والقائم هنا هو: المقيم، وهو: العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم: المصلون ولهذا نبه النبي _صلى الله عليه وسلم_ على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده ولا يعضد شجره ولا يختلى خلاه ولا يسفك فيه دم ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف فيجب على المسلمين كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد _صلى الله عليه وسلم_ أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين والظلم لهم والتعدي عليهم حجاجاً أو عماراً أو غيرهم، كما يجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه والمتعبدين فيه.
سادساً: يجب على المسلمين أن يطهروه هذا البيت ويحذروا معاصي الله فيه، وأن يُتقا غضبه وعقابه، وألا يؤذي بعضهم بعضاً، ولا أن يقاتل بعضهم بعضا؛ لأن السيئة فيه عظيمة، كما أن الحسنات فيه مضاعفة، والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، بل من جهة الكيفية، فإن الأصل: أن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، ولذلك قال الله: ” وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ” ومن يرد فيه: أي يهمّ فيه ويقصد، بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ، ويقول _جل وعلا_ في صدر هذه الآية ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي ” وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد، وهو: الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.
ولما فتح الله لنبيه _صلى الله عليه وسلم_ لما فتح مكة خطب الناس وقال: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمه الناس، وأن الله _جل وعلا_ لم يحله لي إلا ساعة من نهار وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب، وقال: إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دماً أو يعضد فيه شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد أي معرف ” فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم، فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم وأكبر، فليس لأحد أن يُحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سِلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر، ولا يؤذي أحداً لا بكلام ولا بفعل فِيهِ؛ لأن فيه ” آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ” فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم الذي تعبد فيه، ومن ذلك المشاعر؛ عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحِجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، فيجب على المسلمين تجاه هذا الحرم الشريف أن يصونوه ويحفظوه ويحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجب نبيه ورسوله محمد _صلى الله عليه وسلم_، وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى وحمايته من كل معصية ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير وكف الأذى عنه، وأنه لا يجوز لأحد أبداً أن يؤذوا أحداً من الناس، لا بكلام ولا بفعال، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر أو من يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه، وأما من آمن بالله واليوم الآخر إيماناً صحيحاً، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره؛ لأن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فمكة المكرمة هي أفضل البقاع وهي أحب البلاد إلى الله وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، ثم المسجد الأقصى، فهذه هي المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، وهي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.
نسأل الله _عز وجل_ بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يوفق المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا، وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق ومدينة رسوله الأمين _عليه الصلاة والسلام_ من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم إنه _جل وعلا_ جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
Hijri Date Correction:
1