إذا كانت بغداد قد سقطت بالحرب وبالقتال وبقوة عسكرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وسقطت وسط موجة عالمية ومحلية من الرفض والإدانة والاستنكار، فإن عواصم عربية أخرى قد سقطت واستسلمت قبل سقوط بغداد، وبعد سقوط بغداد، لكن سقوطها كان سلميا وهادئا وصامتا. لقد استسلمت دون إراقة دماء. وقام خزنتها بتسليم المفاتيح إلى الفاتحين الأمريكيين قبل وصولهم. بغداد سقطت وعواصم عربية وإسلامية أخرى تساقطت، من إسلام أباد شرقا إلى طرابلس الغرب، وعواصم أخرى آيلة للسقوط، قد تصدعت ومالت وانحنت.هذا هو المشهد العربي الرسمي كما تبدى للعيان في سنة 2003م.
لكن هناك مشهدا آخر، أو وجه آخر من المشهد، وهو المشهد الشعبي الذي يعرف نهوضا مقابل السقوط، ويعرف تصاعدا مقابل التساقط.
لكن للحقيقة والإنصاف فإن ما يعرفه الجانب الشعبي من تبلور في اتجاه النهوض والصعود، يتسم بكثير من العفوية والعشوائية والتضارب، سواء في الرؤية أو في الفعل ورد الفعل، وهذا ما يهدد مساره إذا بقي علي هذه الحال، وأعني بصفة خاصة تيار العمل المسلح الذي يتأرجح بين أن يكون مقاومة شرعية فعالة ورائدة، وبين أن يكون فتنة علماء لا تبقي ولا تذر. ولاشك أن الأمريكيين وحلفاءهم يشجعون هذا المسار الأخير، وأتذكر أنه قبل نحو عشرة أشهر، حينما وقعت أولى أبرز المواجهات المسلحة بالرياض، قال لي أحد من ذوي الخبرة “ها هي أمريكا بدأت ضرب السعودية!”.
وهنا أريد أن أقول شيئا لكل من يعنيهم الأمر من حكامنا: إن ما يسمى اليوم عملا جهاديا، أو عملا إرهابيا، يرتبط وجوده ونموه ارتباطا طرديا مع وجود القوات الأجنبية والقواعد الأجنبية في الدول الإسلامية، وهذا العمل الجهادي أو الإرهابي لن تكون له حدود فاصلة وضوابط حاجزة من عدو خارجي وعدو داخلي، بين ما هو مشروع وما هو ممنوع. فأرجو أن يكون من بين من يعنيهم الأمر من يأخذون العبرة ويفكرون جديا في مستقبلهم ومستقبل أمتهم وشعوبهم، فالشيء المؤكد هو أن القوات الأجنبية لا تزيل “الإرهاب” بل تجلبه وتغذيه.
Hijri Date Correction:
1