لا يبدو أن حرب دول القارة العجوز ضد محاولات حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم استعادة الهوية الإسلامية لتركيا ستتوقف أو تهدأ , خصوصا بعد القفزات والإنجازات التي استطاع أردوغان أن يحققها في هذا المجال رغم محاربة الاتحاد الأوروبي لتلك الإجراءات ومحاولته منعها بشتى الوسائل والسبل .
كانت آخر محطات حرب أوروبا ضد تطلعات وطموحات حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة أردوغان هي : معركة التعديلات الدستورية التي تم تمريرها بعد أن صوت 51,3% من الشعب التركي بـ “نعم” لها , وهو ما اعتبره البعض صفعة قوية على وجه الاتحاد الأوروبي الذي حارب تلك التعديلات وحاول جاهدا التأثير على أصوات الناخبين الأتراك في عواصم دوله ضدها .
وتتجدد الآن على مسرح الأحداث ملامح معركة جديدة بين أوروبا وأردوغان عنوانها : إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا , التي بدأ الحديث حولها حين طرح الرئيس التركي أردوغان إعادة العمل بالعقوبة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف العام الماضي .
ومنذ ذلك الوقت وحرب التصريحات حول هذا الموضوع بين الرئيس أردغان وزعماء دول القارة العجوز على أشدها , فبينما هدد الاتحاد الأوروبي على لسان أكثر من مسؤول أوروبي رفيع بأن إعادة العمل بعقوبة الإعدام في تركيا سينهي محادثات انضمامها لدول الاتحاد….رد الرئيس التركي أردوغان بالقول : إنه حين يعلن الاتحاد الأوروبي أن تطبيق عقوبة الإعدام لن يجعل لتركيا مكانا في الاتحاد الأوروبي ، فليكن ذلك , مضيفا أنه سيدعم القرار الذي سيتخذه البرلمان التركي في هذا الشأن .
وقد ازدادت حدة معركة إعادة العمل بعقوبة الإعدام مؤخرا بعد أن أعلن الرئيس التركي عزمه طرح إعادة تطبيق عقوبة الإعدام على جدول أعمال البرلمان بعد إقرار التعديلات الدستورية مضيفا : قد لا يكون هناك تأخير في تطبيق عقوبة الإعدام في البلاد ومؤكدا بأنه سيوافق على إعادة العمل بعقوبة الإعدام إذا تقدم البرلمان باقتراح ، أو إذا وافق الشعب على هذا في استفتاء.
الرد الأوروبي على إمكانية إجراء استفتاء جديد في تركيا على مسألة إعادة العمل بعقوبة الإعدام جاء سريعا من ألمانيا أولا التي أعلنت أنها لن تسمح للأتراك على أراضيها بأن يصوتوا في أي استفتاء على إعادة العمل بعقوبة الإعدام , حيث قال المتحدث باسم الحكومة “شتيفن زايبرت” في مؤتمر صحفي : “سياسيا لا يمكن أن نتخيل أننا سنوافق على مثل هذا التصويت في ألمانيا على إجراء يتعارض مع قانوننا الأساسي والقيم الأوروبية” حسب وصفه , مضيفا : “إذا أرادت دولة أخرى أن تجري انتخابات أو عمليات تصويت في قنصلياتها هنا في ألمانيا، عندئذ، فإن هذا يحتاج لإذن (من ألمانيا) ” .
أما وزير الخارجية النمساوي “سيباستيان كورتس” فقال : “إن بلاده ستمنع الأتراك من المشاركة في استفتاء على عقوبة الإعدام، إذا قررت تركيا إجراء مثل هذا التصويت” , بينما قال رئيس الوزراء البلجيكي : “لن نسمح للمواطنين الأتراك بأن يصوتوا على تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا في حال أجري استفتاء عليها” .
ليس جديدا هذا الموقف الأوروبي الرافض لاستقلال القرار التركي واستغنائه عن الوصاية الأوروبية والهيمنة الغربية بغض النظر عن صواب أو خطأ قرار طرح إعادة العمل بعقوبة الإعدام الآن , فقد سبق لعواصم دول القارة العجوز أن حاربت جميع محاولات أردغان الرامية إلى النهوض بتركيا واستعادتها لدورها في المنطقة كدولة إسلامية كبرى ذات تاريخ طويل وعريق في جمع الأمة تحت راية الخلافة العثمانية على مدى قرون .
لقد استغلت دول القارة العجوز رغبة تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي لتمرير الكثير من شروطها القاسية ومنع استقلال القرار التركي , وعلى الرغم من قيام تركيا بتنفيذ الكثير من شروط الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها إلغاء العمل بعقوبة الإعدام بشكل رسمي منذ نهاية عام 2003م …….إلا أن الأخير لم يوافق على انضمام تركيا للاتحاد !!!
وإذا كانت آخر مظاهر تلك الحرب الأوروبية المعلنة ضد تطلعات أردوغان وطموحاته المشروعة هي منع الكثير من عواصم الاتحاد الأوروبي لقاء ساسة حزب العدالة والتنمية الحاكم بأنصاره المؤيدين للتعديلات الدستورية كما فعلت ألمانيا …..وغيرها , فإن حرب تلك الدول لمنع إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تركيا ستكون ربما أشد وأعنف .
ليست سبب تلك الحرب الأوروبية المعلنة ضد هذا الإجراء الأردغاني نابع عن مجرد تعارض العمل بعقوبة الإعدام مع قانون الاتحاد الأوروبي الأساسي وتناقضه مع القيم الأوروبية كما زعم المتحدث باسم الحكومة الألمانية , وإنما بسبب خوف دول القارة العجوز من نتائج إعادة العمل بذلك القانون الذي سينفذ أولا على زعماء الانقلاب الفاشل وكل المتورطين فيه الذين تعتبرهم أوروبا أهم عملائها وأزلامها في تركيا العلمانية التي تريدها .