كان أمرا منطقيا ومتوقعا أن يعلن مسلمو فرنسا تأييدهم وعزمهم على منح أصواتهم في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية التي ستجري في ال 7 من شهر مايو / أيار القادم لمرشح حركة “إلى الأمام” “إيمانويل ماكرون” , بعد أن أظهرت النتائج النهائية في جولة الانتخابات الرئاسية الأولى صعود مرشحة التيار اليميني المتطرف “مارين لوبان” إلى جانب “ماكرون” .
فقد أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أمس الاثنين، النتائج النهائية للدور الأول للانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد، وأظهرت عبور كل من : مرشح “الوسط” “إيمانويل ماكرون” ومرشحة اليمين المتطرف “مارين لوبان” إلى الدور الثاني .
ووفق بيان الوزارة فقد حصل ماكرون على المركز الأول بـ 24.01% من أصوات ناخبي الجولة الأولى ، تليه لوبان بـ 21.30% , أما مرشح اليمين التقليدي “فرانسوا فيون” فحلّ بالمركز الثالث بـ 20.01%، متقدماً بفارق بسيط على مرشح اليسار الراديكالي “جان لوك ميلونشون” 19.58%، في حين لم يحصد مرشح الاشتراكيين “بنوا آمون” إلا على 6.36% من الأصوات .
إعلان مسلمي فرنسا عن نيتهم منح أصواتهم في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية للمرشج “ماكرون” جاء بعد أن أضحى الخيار بينه وبين مرشحة اليمين المتطرف “لوبان” التي لم تتوقف تصريحاتها المعادية للإسلام والمسلمين والمهاجرين حتى قبل ايام من خوض السباق الانتخابي الرئاسي .
وقد جاء إعلان تأييد المسلمين لـ “ماكرون” على لسان مسؤول مسجد باريس الكبير “دليل بوبكر” أمس الاثنين , والذي دعا فيه مسلمي فرنسا إلى “التصويت بكثافة” لــ “ماكرون” في الجولة الثانية قائلا في بيان له : “إن التصويت بكثافة للمرشح الوسطي، يعدّ أمراً حاسماً بالنسبة لمصير فرنسا ولأقلياتها الدينية”.
مسؤول مسجد باريس الذي يُعد من أبرز المؤسسات الإسلامية بالعاصمة الفرنسية منذ 90 عاما دعا أيضا إلى ضرورة توحد جميع الفرنسيين ضد الأفكار المعادية للأجانب في البلاد، وأكد ضرورة أن يقف المواطنون المسلمون، ضد أفكار اليمين المتطرف، والعنصرية، ومعاداة الأجانب.
والحقيقة أن كل من يطلع على تصريحات “لوبان” المناهضة للإسلام عموما ولمسلمي فرنسا على وجه الخصوص يمكنه أن يتفهم موقف مسلمي فرنسا من انتخابات الجولة الثانية , ففي آخر تصريح لها دعت “لوبان” منذ أيام إلى إغلاق جميع “مساجد المسلمين “الإسلاميين” في فرنسا حسب وصفها ، وذلك في بيان متلفز، عقب الهجوم المسلح على سيارة شرطة في شارع الشانزلزيه .
وقَالَتْ مرشحة اليمين المتطرف “لوبان” : “يجب طرد دعاة الكراهية، ويجب إغلاق مساجد المسلمين “الإسلاميين” ، مضيفة: “يجب ألا تتمتع أيديولوجية الإسلاميين بالحق في البقاء بفرنسا” ، ودعت إلى حظْر “المنظمات السلفية، مثل فروع الإخوان المسلمين” حسب وصفها .
لم تكن هذه التصريحات المعادية للمسلمين في فرنسا , والتي جاءت بعيد هجوم الشانزلزيه الذي تزامن مع الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية هي التصريحات الوحيدة من هذا اللون “للوبان” , فقد ربطت الأخيرة من قبل بين الهجرة الى فرنسا وما تسميه بـ”التطرف الاسلامي” قبل وقوع هجمات باريس في الـ 13 من نوفمبر .
كما طالبت لوبان في أعقاب تلك الهجمات “بطرد الأجانب “المسلمين” الذين ينادون بالكراهية من ارضنا” ــ وفق تعبيرها ــ وإلى سحب الجنسية الفرنسية من المسلمين الذين يحملون جنسيات مزدوجة ويروجون لأفكار تصفها بـالـ “متطرفة” .
لا تعني دعوة إدارة مسجد باريس المسلمين في فرنسا – الذين يقدر عددهم بأكثر من 6 ملايين مسلم وتعتبر أكبر جالية مسلمة في دولة أوروبية – للتصويت لـ “ماكرون” أن الأخير هو خيارهم أو مرشحهم او ما شابه ذلك , بل كل ما في الأمر أنهم باتوا في الحقيقة أمام مرشح وحيد في الجولة الثانية بعد أن أضحت “لوبان” ذات النزعة العنصرية والمعادية علنا للمسلمين في مواجهته .
والحقيقة أن وضع مسلمي أوروبا وأمريكا والعالم الغربي عموما أمام مثل هذا الاختيار بات أمرا مكررا , فبالأمس القريب كان مسلمو أمريكا أمام اختيار مماثل , حيث كانت المنافسة بين “كلينتون” التي وإن لم تكن تظهر معاداة المهاجرين والمسلمين كما فعل الفائز بالسباق إلى البيت الأبيض “ترامب” , إلا أن سياسة نظيرها في الحزب الديمقراطي “أوباما” أظهر الكثير من حقيقة موقفهم المعادي للمسلمين داخليا وخارجيا وإن لم يكن علني .
ولا أحد يدري إلى متى سيستمر هذا التدني والانحدار في دائرة وضع مثل هذه الخيارات أمام المسلمين المخولين بالتصويت لمرشحي الرئاسة في دول القارة العجوز ودول العالم الغربي عموما ؟! خصوصا مع تنامي نفوذ ما يطلق عليه الغرب “اليمين المتطرف” في أوروبا , حيث باتت منافستهم على حكم دول كبرى “كأمريكا وفرنسا” أمرا عاديا .
ومع التحفظ على المصطلحات التي يطلقها الغرب على أحزابه كـ ” اليمين المتطرف , واليمين الوسط , واليسار ……الخ , بعد أن أثبتت التجارب أن سياسة دول القارة العجوز وأمريكا تجاه المسلمين عموما والجالية المسلمة هناك هي سياسة واحدة بغض النظر عن الحزب الذي ينتمي إليه الفائز بالرئاسة , وأن الاختلاف ينحصر في تطبيق تلك السياسة الواحدة فحسب لا في إقرارها من عدمه……فإن المسلمين في فرنسا وغيرها سيستمر اضطرارهم للتصويت للمرشح الأقل تصريحا بالعداء للإسلام والمسلمين .
وإذا أضفنا إلى كل ما سبق ما أظهرته استطلاع الرأي التي رجحت جميعها فوز “ماكرون” في الجولة الثانية , حيث أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “إيبسوس ستيريا” بالتعاون مع مركز البحوث والعلوم السياسية “بارومتر الحياة السياسية”، أن “ماكرون” سيطيح بمنافسته بنسبة تصويت مريحة للغاية قدّر بـ 62 % مقابل 38 % فقط لزعيمة “الجبهة الوطنية” “لوبان” ، مع هامش خطأ لا يتجاوز الـ 2 % , كما أظهر استطلاع آخر لـ “مركز هاريس التفاعلي” (شركة متخصصة في أبحاث السوق)، أن 64 % من أصوات الناخبين الفرنسيين، ستحمل ماكرون إلى الحكم، تليه من بعيد لوبان، بـ 36 % …….. فإن قراءة موقف مسلمي فرنسا ودعوتهم للتصويت لـ “ماكرون” تبدو واقعية و منطقية .