بدأت معالم تلك المعركة بوضوح حين رفض مجلس الشيوخ الموريتاني (الغرفة الثانية في البرلمان) في وقت متأخر من ليل الجمعة 17 مارس الجاري مشروع التعديلات الدستورية المقدمة من الحكومة الموريتانية – رغم كون أغلبية أعضاء المجلس من الحزب الحاكم – وذلك بعد أسبوع واحد من تمريرها عبر مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) .
لم تمض أيام على ذلك الرفض حتى أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في ندوة صحافية عقدها ليل الأربعاء الماضي بالقصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط ، أنه قرر تفعيل المادة 38 من الدستور، من أجل تمرير التعديلات الدستورية ، من خلال إجراء استفتاء شعبي عليها .
وفي حملة دفاعه عن قراره قال الرئيس الموريتاني : “لدينا مخرج يمليه الدستور والمنطق والعقل، وبالتالي لن نظل مكتوفي الأيدي، سنفعل المادة 38 من الدستور ولا رجعة في ذلك”.
وتابع ولد عبد العزيز بأن “مجلس الشيوخ صوت في اتجاه لم يكن متوقعا، وإن عليهم مراجعة مواقفهم، وإن تصويتهم ضد خيارات حزبهم (الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم) ليس ظاهرة صحية ولا ديمقراطية”.
وأضاف أن “المجلس الدستوري غير معني بالاستفتاء الشعبي بشأن تعديل الدستور” الذي سيدعو إليه , مشيرا أنه “لا يمكن للمجلس الدستوري ولا لمجلس الشيوخ رفض الدعوة إلى الاستفتاء الشعبي”.
من جهتها اعتبرت المعارضة في موريتانيا قرار الرئيس إجراء استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية انقلاب جديد , و وصف شباب حراك “محال تغيير الدستور”، المؤتمر الصحفي للرئيس محمد ولد عبد العزيز بأنه كان : “مجرد إطلالة لقراءة البيان الأول لانقلاب عسكري جديد” .
وقال الحراك في بيان أصدره في نواكشوط صباح الخميس : إن ولد عبد العزيز قرر تحويل المادة 38 من الدستور إلى “دبابة يجرف بها تصويت مجلس الشيوخ الذي أسقط التعديلات الدستورية”، مشيرا إلى أنه سيجرف بهذه الدبابة أيضا كلا من المجلس الدستوري وإرادة الشعب.
وعبر البيان عن رفض الحراك لما وصفه “الانقلاب الفج”، مؤكدا مواصلة أنشطته للدفاع عن الدستور , ودعا الحراك الذي يقوده ناشطون شباب، القوى الحية في البلاد إلى “توحيد الجهود من أجل إفشال انقلاب 22 مارس 2017، والذي لا يقل وقاحة – حسب وصف البيان – عن انقلاب 6أغسطس 2008” .
الدستور الذي نتحدث عن معركة تعديلاته هنا هو دستور يوليو عام 1991م , الذي تم تعليقه مرتين في أعقاب انقلاب عام 2005م وانقلاب عام 2008م , ثم تم بعثه من جديد عام 2009م بعد اتفاق داكار , كما تم تعديله مرتين في عام 2006م , حيث تم تقليص الفترة الرئاسية إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة , وإضافة اليمين عليه .
لكل طرف من أطراف معركة التعديلات الدستورية في موريتانيا حجته التي يراها دستورية ولا تقبل الجدال , فالمعارضة ترى أن إجراء الاستفتاء دون المرور بالبرلمان بغرفتيه باطل , ويؤيدون وجه نظرهم برأي بعض الفقهاء الذين يرون أن تصويت المجلسين يجب أن يسبق الاستفتاء (المادة 99) , بينما تدعم الحكومة توجهها لإجراء الاستفتاء برأي فقهاء آخرين يرون أن إجراء استفتاء مباشر ممكن أيضا حسب نص ( المادة 38) من الدستور .
و الحقيقة أن من يطلع على أبرز النقاط التي تضمنها مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدمت به الحكومة وأسقطه مجلس الشيوخ برفضه المشروع منذ أيام , يمكنه أن يستنتج سبب ذلك الرفض رغم كون أغلبية أعضائه من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم .
فمن ضمن أبرز التعديلات المقترحة : إلغاء غرفة مجلس الشيوخ واستبدالها بمجالس جهوية ، وهو الإجراء الذي أعلنه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطاب جماهيري يوم 03 مايو 2016 من مدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي….وهو بند اعتبره البعض سبب تمرد مجلس الشيوخ ورفضه التعديلات , حيث إن المنطق ولسان حال المجلس يقول : هل أصادق على أحد على حل نفسه ؟!!
المجلس الذي يمتاز عن صنوه “النواب” بأنه غير قابل للحل ، ولا تنتهي مأموريته بشكل متزامن ، حيث خصص القانون إجراءات تجديده في انتخاب ثلثه كل سنتين، لتصبح مأمورية كل فريق 6 سنوات , ويمنح أعضاءه الكثير من الامتيازات وفي مقدمتها الحصانة , بل يمنح الدستور رئيسه منصب نيابة الرئيس في حال عجزه , حيث نصت المادة 40 من الدستور على أنه : ” في حالة شغور أو مانع اعتبره المجلس الدستوري نهائيا ، يتولى رئيس مجلس الشيوخ نيابة رئيس الجمهورية لتسيير الشؤون الجارية”……لم يكن من اليسير أن يصوت على نفسه بالحل كما يرى البعض .
وبالإضافة لما سبق فإن محللين آخرين يرون أن سبب رفض مجلس الشيوخ لمشروع التعديلات لم يقتصر على ما سبق , بل هنا أسباب أخرى أبرزها “حملة الإساءة التي تعرض لها مجلس الشوخ من قبل أعضاء الحكومة، ومن قيادة الحزب الحاكم أيضا .
وباستثناء بند إلغاء مجلس الشيوخ الذي يعتبر السبب الأهم لرفض التعديلات من الأخير , فإن بنودا أخرى تضمنها مشروع التعديلات مثل : إلغاء محكمة العدل السامية المعنية بمحاكمة الرئيس وأعضاء الحكومة ، وإنشاء مجالس جهوية (إدارية) للتنمية , وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة ، وتغيير العلم الوطني ……. تراها المعارضة مساسا بالدستور و وسيلة من وسائل الانقلاب عليه وتفصيله على مقاس الحزب الحاكم .