بعد أن تمكن الثوار في ليبيا من القضاء على نظام معمر القذافي الذي استمر في الحكم لعدة عقود وأهدر ثروات البلاد النفطية على مغامراته في الداخل والخارج, ظهر فجأة أحد رجالاته ليرفع راية “التحرير والاستقرار” زاعما أنه يحارب “الإرهاب” ويريد إعادة “الكرامة” للشعب الليبي رغم أنه ساهم على مدار سنوات في نزعها وعندما أراد الثوار إعادتها له جاء اللواء المتقاعد خليفة حفتر ليعيدهم مرة أخرى لمظلة الحكم العسكري الفردي الذي لا يعترف ببرلمان أو حكومة أو إرادة شعب…
في البداية اتهم حفتر الثوار في ليبيا “بالإرهاب” لمجرد أن بعضهم ينتمي للتيار الإسلامي ثم اتهمهم بالتحالف مع داعش ومع مرور الوقت تبين أن حفتر هو الذي يترك المجال لعناصر داعش لكي يتوسعوا في البلاد من أجل أن يظهر أمام العالم الغربي كحليف له في المعركة على “الإرهاب” حيث حصل حفتر على دعم من بعض الدول الأوروبية على المستوى السياسي والعسكري كما حصل على دعم من عدة دول عربية رأت فيه حليفا قويا في بلد لها أهمية استراتيجية كبيرة..
الوضع الداخلي الليبي المضطرب ساهم في إطلاق مشروع حفتر حيث لم يفلح الثوار في بناء مؤسسات قوية كما فشلوا في فرض سيطرتهم على كافة المناطق بسبب العصبية القبلية وشعور بعض المناطق بالغبن طوال عهد القذافي ورغبتهم السريعة في الحصول على حقوقهم..حفتر الذي استطاع السيطرة على منطقة الهلال النفطي استخدم ثروات البلاد كما فعل سلفه القذافي من أجل بناء قواته والانفراد بالحكم والوقوف أمام الحكومات المختلفة حتى التي أيدته في بداية الأمر..
ومع انتقاضة الثوار وتمكنهم من تحرير الهلال النفطي من أيدي حفتر جن جنونه وبدأ يتصرف كقائد مليشيات ضاربا عرض الحائط بكافة المعايير الإنسانية والحقوقية وقامت قواته بنبش قبور الثوار وأخرجت جثثهم ومثلت بها أمام أعين الناس ولم تراع حرمة الموت, كما قام أحد قادته بإعدام 3 معتقلين موثقي الأيدي ميدانيا في مشهد إجرامي مستفز صورته الكاميرات وتم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي أضف إلى ذلك الغارات العشوائية التي تشنها طائرات حفتر وتستهدف المدنيين…
الممارسات الأخيرة لقوات حفتر أثارت الغضب والاستياء على المستوى المحلي والدولي خصوصا وأن حفتر يقدم نفسه كرجل دولة ويزور الدول العربية والأجنبية ويحصل على استقبال رسمي!…
لقد دعا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في قيام مقاتلي اللواء المتقاعد خليفة حفتر بنبش القبور في بنغازي، في وقت تتدفق فيه صور ومقاطع تظهر الممارسات البشعة لما يقع في منطقة قنفودة ببنغازي شرق ليبيا…وعبـّر فرحان حق عن إدانة المنظمة لأعمال التشويه والتمثيل بجثث الموتى التي تم الإبلاغ عنها، وقال إن “بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على إطلاع بالتقارير المذكورة. ومن الواضح أننا ندين أي تشويه للجثث من النوع الذي تم الإبلاغ عنه، ونود أن يتم التحقيق في هذا الأمر”…
العجيب أن المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر أكد على ضرورة أن يكون اللواء المتقاعد خليفة حفتر جزءا من العملية السياسية في البلاد، مشددا على أن انتهاكات قواته يجب ألا تؤثر على استمرار الجهود السياسية…وقال كوبلر في مقابلة: إن ما حدث في ميدان القتال في ليبيا شيء والعملية السياسية شيء آخر، موضحا أن الأمم المتحدة تمد يدها لكل الأطراف وأن على “الجميع العمل معا”…
هذه التصريحات تكشف عن تناقض دولي وحماية لمجرم حرب يجب تقديمه للمحكمة الدولية لا أن يقال له “افعل ما شئت في ميدان القتال ثم تعالى إلى طاولة الحوار لتحصل على منصب هام”!..حفتر يعارض حكومة “الوفاق” التي تعترف بها الأمم المتحدة في ليبيا ويرفض الانصياع لأوامرها ومع ذلك فهو يوصف بأنه قائد “الجيش الليبي” ويواصل الانتهاكات ضد المدنيين دون عقاب أو ردع فماذا يعني ذلك؟!وما هي الرسالة التي يريد المجتمع الدولي أن يوصلها للأطراف اللييبية المختلفة؟! هل هي أن القوي يفعل ما يشاء ويحصل على الحماية بغض النظر عن شرعيته أم أن الحماية مكفولة فقط لمن ينفذ الأجندة الغربية؟!