فاجأت فصائل الثوار في سوريا نظام الأسد والمليشيات الطائفية الموالية له بهجوم نوعي مباغت على العاصمة دمشق أول أمس الأحد في وقت كان يظن النظام النصيري أنه تمكن من كبح جماح الثوار وأنه يستطيع تشتيتهم عبر جولات من المحادثات بين الآستانا وجنيف حتى يرضخوا في نهاية المطاف لرغباته…
التصريحات التي كانت تخرج من العواصم المساندة لنظام الأسد في الفترة الأخيرة مثل موسكو وطهران كانت تتسم بالغرور وتشير إلى أن على الثوار القبول بالأمر الواقع والرضا ببقاء نظام الأسد مع الحصول على مكاسب صغيرة وهو ما ظهر جليا خلال محادثات آستانا وجنيف؛ الأمر الذي أحبط الثوار وجعلهم يشعرون بالخيبة وأفقدهم الثقة بجدوى هذه المفاوضات..لقد فشلت الجهات الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار في السيطرة على جرائم النظام ضد المدنيين رغم إعلانها المتكرر بأنه ما زال صامدا! ولكن الواقع الميداني كان يؤكد العكس ويشير إلى أن النظام يستغل الاتفاق لتحقيق مكاسب ميدانية تقوي موقفه في المفاوضات…
وفي ظل الغطرسة من جانب والشعور بالإحباط على الجانب الآخر باغت الثوار النظام في عقر داره وشنوا هجوما مفاجئًا على شرق العاصمة دمشق وذلك عند الساعة الخامسة فجرا من أول أمس الأحد، حيث انفجرت عربتان مفخختان في تجمعين لقوات النظام في حي جوبر شرقي العاصمة دمشق، إحداهما استهدفت معمل كراش والأخرى معمل سيرونكس اللذين حولهما النظام إلى ثكنتين عسكريتين، مما أسفر عن انهيارهما بالكامل وفقدان النظام عناصره ما بين قتيل وجريح وأسير، وتدمير عدد من الآليات التابعة له..ولم يكن النظام يعرف ما حصل، وبالكاد استوعب الصدمة، حتى باغته تسلل للعشرات من مقاتلي الثوار الذين توغلوا بسرعة على وقع انهيارات متعاقبة لنقاط النظام التي شكلت حاجز الدفاع الأول له عن العاصمة دمشق…وتكتم الثوار على الهجوم ومنعوا التغطية الإعلامية، ولم يكشفوا عن الهدف النهائي له إلا عند حلول ساعات المساء، حيث انتهى بوصل حي جوبر في العاصمة دمشق بحي القابون المحاصر والقريب منه,وكشف الثوار أنهم دمروا غرفة عمليات النظام شرقي العاصمة بشكل كامل، وقتلوا أكثر من 75 عنصرا -بينهم ثلاثة ضباط- وأصابوا الكثيرين بجراح….
ووصف الثوار الهجوم بأنه نشر الذعر والفوضى في صفوف النظام لدرجة أنه استعان بالإعلام أثناء بث مباشر لتهدئة صفوف مؤيديه في العاصمة، حيث تقدمت المعارضة إلى كتل وأبنية مطلة على عقدة البانوراما،وقطعت الطريق الوطني المؤدي إلى دمشق، وعطلت كراج العباسيين…نظام الأسد والقوات الموالية له عندما أفاقوا من الصدمة شنوا هجوما معاكسا واستطاعو أن يستردوا بعض المواقع من الثوار أمس الاثنين إلا أن الثوار شنوا هجوما ثانيا صباح اليوم واسترجعوا ما خسروه وتقدموا في مناطق جديدة وأعلن “فيلق الرحمن” المشارك في المعارك السيطرة على كراجات العباسيين شرق العاصمة… وذكرت مصادر أن الثوار يسيطرون حاليًا على شارع فارس خوري ناريًا, وأشارت المصادر إلى أن الثوار استعادوا السيطرة على كافة النقاط التي خسروها أمس، متمثلة بحاجز “سيرونكس” ومعمل كراش ومعامل النسيح، المطلة على كراجات العباسيين.وأكد عضو تنسيقية جوبر، محمد أبو اليمان، استعادة النقاط التي خسرها الثوار أمس، لافتًا إلى استمرار التقدم في المنطقة…
وأكد المتحدث باسم “فيلق الرحمن”، وائل علون،أن المقاتلين “يجتازون تقاطعًا بريًا رئيسيًا يؤدي إلى قلب العاصمة دمشق”…وأعلن “الفيلق” اليوم بدء المرحلة الثانية من معركة “يا عباد الله اثبتوا”، والتي بدأت الأحد الماضي، بتقدم غير مسبوق للثوار انطلاقًا من جوبر..من جهته, يقول الخبير العسكري العقيد أحمد الحمادة: إن الثوار حققوا الهدف من هذا المعركة، حيث تسمى هذه النوعية من المعارك في العلم العسكري “بالإغارة”، وهي تكون بغية استكشاف نقاط ضعف وقوة العدو، ومن أجل إضعافه، وهذا ما حصل من خلال إعلان الثوار للخسائر التي ألحقتها بالنظام…
ويضيف العقيد الحمادة أن المعارضة أعادت أيضا خلط جميع أوراق النظام العسكرية من خلال تدمير غرفة عملياته شرقي العاصمة، كما أحبطت مخططه بمهاجمة حي جوبر بهجوم مضاد معاكس ومفاجئ، وتمكنت من منع النظام من محاصرة حي القابون عبر وصله بحي جوبر، ومن فصل حي القابون عن تشرين وبرزة…ويرى أن هذه المعركة مرتبطة بشكل مباشر بمعركة النظام وعملياته العسكرية في الغوطة الشرقية، حيث كان يخطط لحرمان الغوطة من شريان حيوي هام قادم من برزة عبر أنفاق للمدنيين المحاصرين هناك، بعد أن حرم الغوطة وأهاليها من سلتهم الغذائية بسيطرته على منطقة المرج العام الماضي، مشيرا إلى أن هجوم المعارضة الأخير في حي جوبر أبقى على الشريان القادم للغوطة من حي برزة.
وبشأن مستقبل هذه المعركة يقول العقيد الحمادة إنها خيار مستمر للثوار إذا ما أرادوا أن يحافظوا على وجودهم في محيط العاصمة دمشق، ولكي يخففوا الضغط عن الغوطة الشرقية فلا خيار لها إلا الهجوم من أجل الدفاع…
لقد أحيا الهجوم الأمل مرة أخرى في نفوس السوريين بشأن التخلص من نظام الأسد ومليشياته والقضاء على أحد أهم الأطماع الفارسية في المنطقة.