كثيرة هي الملامح التي تشير إلى اضطرار طهران للتراجع خطوات إلى الوراء فيما يتعلق بمسألة “تسييس فريضة الحج” التي طالما حلم به ملالي قم , لعل أهمها وآخرها قيام إيران بإرسال وفد رسمي إلى الرياض لإعادة النظر بمسألة ترتيبات مشاركة حجاج طهران بموسم حج هذا العام , بعد أن منع ملالي قم الإيرانيين من أداء حج العام الماضي , ومارست تعنتا واضحا مؤخرا فيما يخص المشاركة في حج هذا العام .
كانت أبرز مظاهر التعنت الإيراني فيما يخص المشاركة بحج هذا العام وضعها سبعة شروط من أجل السماح للحجاج القادمين من بلادها بأداء الفريضة هذا العام ؛ أبرزها وأكثرها وضوحا في محاولة تسييس الحج : “الحفاظ على سياسات “قائد الثورة الإسلامية في مجال الحج” !!
الشروط الصفوية التي جاءت على لسان وزير الثقافة والإرشاد الإيراني “رضا صالحي أميري” الذي قال مؤخرا : إن لإيران 7 شروط يتعين على الجانب السعودي قبولها لإيفاد حجاجنا إلى الديار المقدسة” , مضيفا : “”لو قبل السعوديون بهذه الشروط فسنقوم بتفويج الحجاج للديار المقدسة، ودون ذلك سننتظر رأي الجهات العليا بهذه القضية” ….لا يبدو أن إيران ستصر عليها في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة , وفي ظل الحزم والحسم السعودي في رفض تلك المطالب الطائفية .
أولى أهم ملامح التراجع الصفوي عن تلك الشروط – فيما يبدو – إيفاد طهران رئيس منظمة الحج والزيارة “حميد محمدي” والوفد المرافق له إلى الرياض مجددا لبحث ترتيبات شؤون #الحجاج_الإيرانيين لموسم حج هذا العام , والذي التقى بوزير الحج والعمرة السعودي الدكتور محمد صالح بن طاهر بنتن في مكتبه بجدة أمس الجمعة .
الزيارة مهد لها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “بهرام قاسمي” قبل أسبوع حين أشار إلى أن وفداً سيزور السعودية خلال الأسبوع الجاري للتفاوض حول مشاركة الإيرانيين في مناسك الحج للعام الحالي , ثم أعلن عن الزيارة التلفزيون الإيراني مساء الأربعاء الماضي .
لا يجد المتابع قراءة منطقية للزيارة الأخيرة إلا ضمن إطار محاولة إيران التراجع عن تعنتها وإصرارها على تسييس الحج , بعد أن أدركت استحالة تلبية السلطات السعودية لشروطها التعجزية التي وضعتها خلال زيارتها السابقة للرياض مؤخرا , وبعد أن حدثت تطورات على الساحة الإقليمية لا يبدو أنها في صالح ملالي قم .
قد تكون التطورات الأخيرة على الساحة اليمنية هي أهم الأسباب التي دفعت طهران للتراجع قليلا عن عدائها المعلن لبلاد الحرمين , وللتنازل المؤقت عن بعض أحلامها وأهدافها التوسعية في المنطقة , وعلى رأسها حلم تسييس فريضة الحج و تمدد نطاق هيمنتها ونفوذها ليصل إلى البقاع المقدسة في مكة والمدينة .
فالهزائم المتكررة التي لحقت بأزلام إيران “الحوثيين” في اليمن , والتقدم الملحوظ لقوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية …..قد أفقدت طهران ورقة من أهم أوراقها التي يبدو أنها كانت تعول عليها للوصول إلى مآربها الخبيثة بتسييس الحج وتدويله .
ليست تطورات اليمن في غير صالح الصفويين هي وحدها ما دفعت إيران للتراجع قليلا عن مسألة “تسييس” الحج” على ما يبدو , ومحاولة خطب ود دول الخليج ثانية – وعلى رأسها المملكة السعودية – عبر الدعوة للحوار وتوسيط بعض الدول لتحقيق هذا الطلب خلال زيارة “روحاني” للكويت ومسقط ….فهناك أيضا التطورات على الساحة السورية , حيث يبدو جليا تراجع النفوذ الصفوي في الشام لصالح الدب الروسي .
لم توفر طهران وسيلة أو طريقة للوصول إلى حلمها بتدويل الحج وتسييسه إلا واستخدمتها , بدءا بإثارة الشغب ومحاولة بث الفوضى بين جموع الحجيج أثناء تأدية مناسك الحج , وليس انتهاء باستخدام العنف واختلاق الأزمات لإظهار المملكة بمظهر العاجز عن حفظ الأمن وحسن سير مواسم الحج ….. والتاريخ القديم والحديث شاهد على بشاعة جرائمها بحق بيت الله الحرام وحجاجه .
لا يمكن القول : بأن بوادر تراجع طهران عن إصرارها على شروطها الباطلة بعد زيارة وفدها للرياض لبحث المشاركة في موسم حج هذا العام هو تنازل صفوي دائم عن مسألة تسييس الحج وتدويله , فليست الأطماع وحلم إعادة الامبراطورية الفارسية هي وحدها ما يدفع ملالي قم للكيد لبيت الله الحرام , بل هناك العقيدة الباطلة التي تزعم أن هدم الكعبة ونقل الحجر الأسود إلى الكوفة هي من مهام مهديهم الخرافة المنتظر .