كان من المفترض أن لا تكون هناك أي علاقة بين مسألة الاعتداء على الأطفال جنسيا وبين أماكن مخصصة للعبادة في الدول التابعة للكنيسة الكاثوليكية , فبعيدا عن مسألة التحريف الذي طرأ على العقيدة النصرانية وما نجم عنه من تحريف للعبادات بطبيعة الحال…فإن كنائس الفاتيكان تبقى – من وجهة نظرهم على الأقل – مكانا مقدسا ودارا يجتمع فيه الناس لأداء الصلاة ……..
إلا أن ما يجري في كنائس الكاثوليك في الدول الغربية من اعتداء جنسي مستمر على الأطفال منذ عقود من الزمان وحتى الآن دون توقف , لم يربط اسم تلك الكنائس الغربية بجريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال فحسب , بل جعل هناك تلازما بينهما رغم فرضية وجوب تنافرهما وتباعدهما بعد المشرق عن المغرب .
لم تعد أخبار فضائح ما يجري داخل الكنائس الكاثوليكية في القارة العجوز وغيرها من قارات العالم وحتى داخل الفاتيكان نفسه بالحدث الجديد , فالموضوع قديم قدم فساد الأخلاق وانهيارها في المجتمع الغربي الذي ما زال يغرق في حمأة استباحة جميع المحرمات والمنكرات دون رادع من مبادئ أو قيم أو دين .
نعم ….لقد وصلت المجتمعات الغربية إلى درجة من الانهيار الأخلاقي بسبب إطلاق العنان للشهوات دون قيد حدا لا يمكن معه التنبؤ بما تخفيه الأيام القادمة من فضائح يندى لها جبين البشرية , فقد تجاوز الأمر حدود الشهوات البشرية الفطرية إلى الشذوذ وإباحة ما هو محرم عرفا وفطرة , تحت مبررات الحرية الفردية المزعومة .
لم يكن مفاجئا وسط هذا الجو الموبوء أن يصل الفساد إلى ما بعد نكاح المحارم المحرم في جميع الشرائع , وإلى ما وراء شرعنة نكاح المثليين بل ومنحهم كامل ما يسمونه حقوقهم !!
فقد وصل داء انفلات الشهوات إلى عقر دار الكنيسة الكاثوليكية الغربية , حيث تتوالى التقارير التي تشير إلى تنامي ظاهرة الاعتداء على الأطفال داخل الكنائس من قبل القساوسة ومن يزعمون أنهم يملكون صكوك الغفران !!
آخر ما تكشف من تلك الفضائح ما تناولته وسائل الإعلام بالأمس عن نتائج تحقيق رسمي في أستراليا يؤكد حدوث آلاف الاعتداءات الجنسية على الأطفال داخل الكنائس هناك خلال العقود الماضية .
فقد كشفت لجنة حكومية أسترالية في تقرير لها عن تورط حوالى 7% من القساوسة الكاثوليك بأستراليا بالاعتداء الجنسى على الأطفال خلال الفترة ما بين عامى 1950 و2015، بحسب ما نقلته شبكة CNN الإخبارية الأمريكية .
وأشارت النتائج التى أعلنت عنها أول أمس اللجنة التابعة للهيئة الملكية الأسترالية للاستجابات المؤسسية على إساءة معاملة الأطفال، أن عدد الضحايا الذين تعرضوا لانتهاكات جنسية على يد قساوسة بالكنيسة الكاثوليكية وصل إلى 4,444 بين يناير 1980 وفبراير 2015، وأن أكثر من 40% من القساوسة تم اتهامهم بارتكاب انتهاكات جنسية ضد الأطفال.
المستشارة البارزة للجنة التحقيق “جايل فورنيس” قالت : إنه “في الفترة من يناير 1980 إلى فبراير 2015 ، تقدم 4444 شخصا بشكاوى لدى 93 سلطة في الكنيسة الكاثوليكية بشأن حوادث اعتداء جنسي على الأطفال”.
وبعد تعليقها على ضخامة أعداد الضحايا بأنها “مروعة”، أشارت “جايل” إلى محاولات التستر على تلك الجرائم من خلال تجاهل الكنائس لشكاوى “الأطفال المعتدى عليهم ، بل ومعاقبتهم , وعدم التحقيق فى الادعاءات , ناهيك عن نقل القساوسة الذين اتُهموا بارتكاب تلك الإساءة للأطفال لمجتمعات أخرى “لا تعرف شيئا عن ماضيهم”، وإتلاف وإعدام جميع الوثائق التي تدين القساوسة ليتم إخفاء الانتهاكات والتكتم عليها .
أما رئيس مجلس الحقيقة والعدالة “فرانكلين سوليفان” فقد قال عن تلك الأعداد الهائلة من الجرائم “هذه الأعداد صادمة ، إنها محزنة وغير قابلة للدفاع عنها” مضيفا : أن الأعداد والروايات التي شهدتها جلسات التحقيق يمكن فقط أن يتم تفسيرها كـ”إخفاق شديد من جانب الكنيسة الكاثوليكية في استراليا في حماية الأطفال من المعتدين … وبما أننا كاثوليك ، ننكس رؤوسنا خجلا”.
ليست استراليا وحدها التي تجتاحها فضائح جرائم الاعتداء على الأطفال داخل كنائس الفاتيكان منذ عقود , بل يشاطرها في ذلك الخزي والعار كنائس الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإيرالندا والمكسيك وكندا والنمسا …….. الخ , ويكفي أن نذكر أن شقيق بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر متهم باستغلال الكنيسة لاغتصاب 150 طفلا !!!
رغم ضخامة أعداد الأطفال المعتدى عليهم داخل كنائس الفاتيكان , والتي تشير إليها التقارير ولجان التحقيق بين الحين والآخر ….إلا أنها ليست دقيقة بكل تأكيد , نظرا لاستماتة الفاتيكان في إخفاء ما استطاع من تلك الجرائم التي كانت سببا في استقالة بابا الفاتيكان السابق “بنديكت السادس عشر” حسب بعض المحللين .
لا يعني ظهور نتائج لجنة التحقيق في استراليا محاسبة ومعاقبة المتورطين في تلك الجرائم اللاإنسانية , فحقيقة تورط الفاتيكان في حماية القساوسة المتهمين بارتكاب العشرات وربما المئات من تلك الجرائم باتت مؤكدة , ففي الوقت الذي صرح فيه بابا الفاتيكان “فرنسيس” أكثر من مرة بضرورة معاقبة الأساقفة المتهمين بالتحرش والاعتداء الجنسي دون محاباة …إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث أبدا , مما يعني حسب – ديفيد كلوهيسي رئيس شبكة الناجين من تحرش القساوسة – أن الأمر لا يعدو أن يكون كلاما دون أفعال .
وما دام الأمر كذلك فإن فضائح كنائس الفاتيكان لا يبدو أنها ستنتهي قريبا , كما أن مسألة ارتباط تلك الكنائس بالاعتداء والتحرش جنسيا بالأطفال ستبدو تلازمية .