لم يكن رفض أهالي حلب ومقاتلي فصائلها المسلحة لمحاولات روسيا والنظام النصيري فرض الاستسلام عليهم وعلى مدينتهم التاريخية العريقة بصمودها والمشهورة بطردها للغزاة والطغاة ….عن جهل أو عناد أو عبث , فهم يدركون جيدا ألاعيب وأكاذيب هذا النظام الذي خبروه وعرفوه عبر أكثر من أربعة عقود من تسلطه على خيرات بلاد الشام و رقاب غالبية سكانها من أهل السنة .
لقد أعيى صمود أهل هذه المدينة الأسطوري النظام النصيري وأسياده الروس ومرتزقة إيران , فحاولوا فرض الاستسلام على المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار شرقي حلب من خلال انتهاج سياسة الأرض المحرقة , وممارسة أبشع وأشنع أنواع القتل الجماعي الذي طال الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الأنعام والحيوانات , وتدمير الحجر والشجر والبى التحتية , وفرض حصار خانق على المدينة لدفع السكان للاستسلام ….. إلا أن ذلك لم ينجح .
وهنا لجأ الروس وصبيهم في دمشق لأسلوب الخداع والكذب , فادعت روسيا مؤخرا أنها أوقفت القصف ومنحت الثوار والمدنيين هدنة مزعومة , طمعت من خلالها إغراء المقاتلين على الرخوج عبر ما يسمى “ممرات آمنة” خاصة لهم , وخروج من يشاء من المدنيين عبر ممرات أخرى آمنة أيضا حسب زعمهم ….إلا أن تلك الحيلة و الخدعة لم تنطل على الثوار وأهالي حلب أيضا , ليقينهم بكذب عهود و وعود النظام النصيري وأسياده الروس , والذي أثبتت الوقائع الحالية وما حدث خلال الأيام الماضية صحته .
فما إن استطاع النظام النصيري السيطرة على بعض الأحياء والمناطق المحاصرة التي كانت في قبضة الثوار شرقي حلب منذ أيام , حتى مارس إجرامه المعهود بحق المدنيين الهاربين من تلك المناطق , اعتقالا وتعذيبا واغتصابا , و أظهر أن ممراته الآمنة للمدنيين ما هي في الحقيقة إلا كذب وخداع .
فقد قال رئيس منظمة الدفاع المدني السورية (القبعات البيضاء) رائد الصالح : إن تحذيرات منظمة العفو الدولية من شن قوات النظام السوري حملة واسعة من الاعتقالات والتعذيب والاغتصاب بحق المدنيين في الأحياء التي دخلها شرقي حلب، قد تحقق بالفعل .
و أكد الصالح اعتقال 250 شابا الثلاثاء الماضي عند خروجهم من المناطق المحاصرة شرقي حلب , وأنه تم احتجازهم في مراكز إيواء مؤقتة يفصل فيها الرجال عن الأطفال والنساء، حيث يجري التحقيق معهم بالأساليب الوحشية المعروفة عن نظام الطاغية .
وعن الصور التي حاول النظام النصيري ترويجها لجنوده وهم برفقة أطفال ونساء وكأنهم ينقذونهم في المناطق التي سيطر عليها مؤخرا شرقي حلب …. أكد “الصالح” أنها أسلوب رخيص منتهي الصلاحية , مؤكدا أنه “لا أحد يتوقع عفو أو رأفة جنود الطاغية وحزب اللات اللبناني والحرس الثوري الإيراني بالمدنيين السوريين إن خرجوا من شرقي حلب .
لم تكن شهادة “الصالح” وحدها التي فضحت كذب النظام النصيري وأسياده الروس فيما يخص “الممرات الآمنة” وضمان عدم التعرض للمدنيين في حلب وغيرها بسوء , فقد أكد مسؤولان أمميان الأربعاء أن قوات النظام النصيري تعتقل النازحين من شرقي مدينة حلب , وجاء ذلك في إفادتين قدمها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستفين أوبراين، والمبعوث الأممي إلى سوريا، استيفان دي ميستورا، خلال جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن الدولي حول الوضع في شرقي حلب منذ أيام .
وقال “أوبراين” في إفادته أمام أعضاء مجلس الأمن : إن “قوات النظام السوري تعتقل النازحين من شرقي مدينة حلب وتقودهم إلى مراكز اعتقال سرية” , بينما أكد ديمستورا قيام قوات النظام السوري باعتقال من نجح بالخروج من المدينة”.
كما أفاد ناشطون في المناطق المحاصرة من حلب أن قوات النظام النصيري قامت بإنشاء معسكرات تجنيد للنازحين في المناطق التي سيطرت عليها مؤخرا ، حيث بدأت منذ أيام بعملية استقطاب واسعة للشباب والرجال النازحين إلى معسكرات حي الصاخور ومنطقة النقارين قرب مطار النيرب العسكري بغية إرغامهم و زجهم بالمعارك المشتعلة التي تشهدها المدنية .
وقال الناشط الإعلامي أبو النصر الحلبي : إن المعسكرات التي تم استحداثها تهدف إلى ضم مئات الشباب والرجال النازحين الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والأربعين عاما؛ بذريعة فرض الأمن والاستقرار وحماية مناطقهم ، بينما تم نقل بعضهم بشكل مباشر إلى جبهات القتال , مؤكدا بأن هناك معسكرا آخر استحدث في منطقة جبرين، جنوب شرق المدينة، الذي يقوم بتجنيد إجباري لعشرات النازحين من أبناء الأحياء الشرقية .
لم يكن ما جرى في المناطق التي خرجت عن سيطرة الثوار شرقي حلب مفاجئا , فالجميع – وأولهم السوريون – بات يدرك جيدا أن “ممرات – النظام النصيري – الآمنة” تعني كل شيء إلا الأمن والأمان , ومن هنا علق الإعلامي السوري المعروف د . أحمد موفق زيدان على ما حدث بتغريدة على تويتر بالقول : هذه ممراتهم الآمنة ….. العار على أمة المليار وهي ترى حرائرها تقتل وهي صامتة …
ليس أمام مجاهدي الشام والشعب السوري الثائر عموما وأهالي حلب – التي تتعرض لأشرس حملة إبادة شهدها التاريخ – الكثير من الخيارات على ما يبدو , فأعداؤهم الكثر لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة , وتاريخهم الإجرامي يؤكد أنه لا عهد لهم ولا أمان ولا ميثاق , والمعركة معهم معركة هوية و وجود لا معركة اختلاف سياسي …. ومن أجل ذلك يصرّ أهالي حلب على المقاومة والصمود حتى الشهادة أو النصر , ويرفضون أي محاولة لفرض الاستسلام عليهم تحت شعار “الهدن” أو “المصالحة” أو “الخروج الآمن” أو ….