صورة المسألة:
أن يتسابق اثنان ويتراهنان على مسألة من مسائل العلم على أن المصيب منهما له عوض محدد.
اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – جواز الرهان في العلم، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].
تحرير محل النزاع:
أ- إذا كانت المسابقة بلا عوض فتجوز، وهذا لا خلاف فيه بين الأئمة الأربعة[2].
ب- ومحل الخلاف بين العلماء فيما إذا كان ذلك بعوض:
أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول:
عدم الجواز.
وهذا مذهب المالكية [3]، والشافعية [4]، والحنابلة [5]، والظاهرية [6].
القول الثاني:
الجواز.
وهذا مذهب الحنفية [7]، وهو وجه في المذهب اختاره صاحب الفروع [8]، وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم [9].
أدلة القول الأول:
1- حديث أبي هريرة السابق مرفوعاً: “لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر” [10].
ونوقش:
بما سبق ذكره في مسألة المصارعة.
2- استدلوا بالإجماع الذي حكاه ابن عبدالبر من الإجماع على عدم جواز العوض فيما عدا الثلاثة.
ونوقش:
بوجود خلاف عن الحنفية وبعض الحنابلة.
3- أن الرهان في العلم لا يحتاج إليه في الجهاد.
ونوقش:
أن الدين يقوم بالعلم كما يقوم بالجهاد، فالحاجة لذلك موجودة.
أدلة القول الثاني:
1- استدلوا بقصة مراهنة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – للمشركين بفوز الروم، وهذه مراهنة في العلم [11].
ونوقش:
أنها في أول الإسلام، وهي منسوخة كما قال ابن حزم وادعى الإجماع على ذلك، وفي رواية الترمذي: قال الراوي: وكان ذلك قبل التحريم [12].
وأجيب عن دعوى النسخ:
أن دعوى النسخ لا تسلم؛ لعدم الدليل على النسخ، وكلام الراوي ليس بحجة، إذ لابد من الدليل، بل التاريخ شاهد على ذلك؛ إذ غلبة الروم لفارس كانت عام الحديبية، والقمار حرم في شوال سنة ثلاث؛ وقد راهنهم أبوبكر بضع سنين وصلت لسبع سنين [13].
2- القياس على ما ورد به النص في الأمور الثلاثة، بجامع أن العلة نصرة الدين وقيامه، فكما يقوم بالجهاد فهو كذلك يقوم بالعلم [14]. بل هذا أولى بالحكم من المسابقة على الفرس والبعير.
قال ابن القيم: لأن الدين قام بالحجة والبرهان، وبالسيف والسنان ا.هـ. [15]. فالبرهان يفتح القلوب، والسنان يفتح البلدان.
الترجيح:
والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني:
1- لقوة أدلته وظهورها.
2- مناقشة أدلة المخالفين.
3- موافقته لمقصود الشارع من مشروعية باب السباق، وفيه تشجيع على حفظ العلوم الشرعية التي هي قوام الدين وعماده. والله أعلم.
————–
* للاستزادة يراجع موقع الشيخ:
http://www.alukah.net/web/abdullah-ibn-mubarak/11511/88854/
[1] انظر: الفتاوى الكبرى: (5/ 415)، الفروسية: (64، 89)، الاختيارات: (160)، المستدرك: (4/ 58)، الفروع: (4/ 462)، المبدع: (5/ 122)، الإنصاف: (6/ 91).
[2] انظر: مجموع الفتاوى: (31/ 61)، (32/ 227)، حاشية الدسوقي: (3/ 156)،
[3] انظر: التمهيد: (14/ 89)، التاج والإكليل: (4/ 613)، حاشية الخرشي: (3/ 156)، حاشية الدسوقي: (2/ 210)، منح الجليل: (3/ 240)، الفواكه الدواني: (2/ 350)، حاشية الصاوي: (2/ 326).
[4] انظر: أسنى المطالب: (4/ 229)، شرح البهجة: (5/ 180)، حاشية قليوبي: (4/ 266)، تحفة المحتاج: (9/ 399)، مغني المحتاج: (4/ 395)، نهاية المحتاج: (8/ 166)، حاشية الجمل: (5/ 281)، تحفة الحبيب: (4/ 349).
[5] انظر: المحرر: (1/ 358)، المغني: (13/ 404)، الكافي: (2/ 336)، الفروع: (4/ 462)، المبدع: (5/ 122)، الإنصاف: (6/ 91)، كشاف القناع: (4/ 49)، مطالب أولي النهى: (3/ 704)، منار السبيل: (1/ 425)، حاشية ابن قاسم: (5/ 348).
[6] انظر: المحلى: (5/ 425 م 972).
[7] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 427)، مجمع الأنهر: (2/ 550)، تبيين الحقائق: (6/ 32، 228)، درر الحكام: (1/ 321)، البحر الرائق: (8/ 555)، الفتاوى الهندية: (6/ 446)، (5/ 324).
[8] انظر: الفروع: (4/ 462)، وانظر: الفواكه العديدة: (1/ 377).
[9] انظر: الفروسية: (64، 89)، اختيارات ابن القيم: (1/ 488).
[10] سبق تخريجه ص: (1090).
[11] سبق تخريجه ص: (1093).
[12] انظر: الفروسية: (203).
[13] انظر: المصدر السابق: (95-100، 207).
[14] انظر: حاشية ابن عابدين: (6/ 427)، مجمع الأنهر: (2/ 550)، القرعة ومجالات تطبيقها في الفقه الإسلامي: (1 / 295)، القمار وحكمه في الفقه الإسلامي (292).
[15] انظر: الفروسية (97)، قضايا اللهو والترفيه: (398).