ففي سورية تتراكم مخازي المنظمة الدولية منذ بداية ثورة الياسمين , فعلى الرغم من توثيق العشرات من المجازر التي ارتكبها النظام النصيري ضد أهل السنة , إلا أن المنظمة الدولية لم تكتف بعار الصمت والتخاذل عن اتخاذ أي إجراء تجاه طاغية الشام فحسب , بل عملت جاهدة على حماية الأخير من أي قرار دولي يدينه أو يحيله إلى المحاكمة أوالمساءلة .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد من الخزي والعار , بل تفاقم إلى درجة تواطؤ الأمم المتحدة مع النظام النصيري ومشاركته في قتل الشعب السوري جوعا من خلال التماهي معه في حصار المدن والبلدات السورية , فقد أكدت الكثير من التقارير الصحفية الغربية أن المنظمة الدولية كانت على علم منذ شهور بتدهور الوضع الإنساني في بلدة مضايا السورية ووصوله إلى درجة المجاعة ، وأنها رغم ذلك التزمت الصمت لأسباب غير معروفة إلى حين بدأت صور الجوعى تتسرب من البلدة وتنشر في وسائل الإعلام .
وكانت ثالثة الأثافي – كما يقال – بفضيحة تدخل النظام النصيري بتقارير المكتب الأممي بدمشق , فقد كشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية النقاب عن مذكرة داخلية مسربة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في سورية ، تؤكد انصياعه لرغبة الحكومة السورية بالموافقة على تصنيف البلدة “مضايا” ضمن المناطق التي يصعب الوصول إليها ، لا المناطق المحاصرة , الأمر الذي يعني أن مكتب الأمم المتحدة بدمشق لم يكتف بالتزام الصمت حيال موت أطفال مضايا جوعا فحسب , بل شارك في قتلهم بتحريف حقيقة الحصار إلى تسميتها : “منطقة لا يمكن الوصول إليها” !!!
وفي ليبيا لم تمح الأيام بعد فضيحة المبعوث الأممي إلى ليبيا “برناردينو” الذي تبين بأنه يتلقى الأوامر من عاصمة عربية ويخضع لضغوطها من أجل تنفيذ أجندتها في ليبيا , مقابل منافع ومصالح شخصية .
وتأبى هذه المنظمة الدولية إلا أن تضيف إلى سجلها الأسود فصلا جديدا من فصول ومسلسل مخازيها بحق الدول الإسلامية , وهذه المرة في دول المغرب العربي من خلال إثارة النقاط المختلف عليها والمتنازع فيها .
بدأت القصة حين قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر , ليدلي بتصريح مستفز هناك قال فيه للصحافة الجزائرية : “إنه يتفهم غضب الشعب الصحراوي تجاه استمرار (احتلال) أراضيه” .
وكانت هذا التصريح كفيلا بإشعال أزمة حقيقية بين الأمم المتحدة والمغرب التي اعتبرت التصريح خروجا عن حياد المنظمة الدولية فيما يخص النزاع المستمر منذ عقود على الصحراء الغربية بينها وبين ما يسمى “جبهة البليساريو” , خصوصا وأن “بان” استخدم كلمة “احتلال” !!
ردت المغرب على هذا التصريح رسميا وشعبيا , أما شعبيا فقد خرجت مظاهرة حاشدة – قالت السلطات المغربية أن عدد المشاركين فيها بلغ 3 ملايين – في العاصمة الرباط تندد بتصريح الأمين العام للأمم المتحدة , وتهتف : “الصحراء لنا” في إشارة إلى أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من التراب المغربي .
وأما رسميا فقد أعربت الحكومة المغربية عن احتجاجها القوي على تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول قضية الصحراء الغربية , وأكدت في بيان رسمي أن بان كي مون “تخلى عن حياديته وموضوعيته , محذرة من وجود “تهديد بتقويض” مفاوضات نزاع الصحراء الغربية .
وبدلا من انصياع الأمم المتحدة لرغبة الإرادة الشعبية المغربية التي عبرت عن رأيها فيما يخص مسألة “الصحراء الغربية” , من خلال المظاهرة الحاشدة التي خرجت في الرباط ….. صعدت المنظمة الأممية التي ترفع شعار حرية ” تعبير الشعوب عن رأيها ” وتيرة الأزمة من خلال إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة وزير خارجية المغرب “صلاح الدين مزوار” بأنه يشعر بغضب وخيبة أمل من مظاهرة الرباط , زاعما أنها كانت هجوما شخصيا عليه .
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كشف متحدث باسم “بان كي مون” أن لا نية لديه للتراجع عن استخدام كلمة “احتلال” إزاء قضية الصحراء الغربية , الأمر الذي يؤكد أنها ليست زلة لسان , بل تصريح متعمد له ما وراءه !!
لم يتأخر الرد المغربي على إصرار “بان” على كلمة “احتلال” , فقرر الرباط تقليص حجم الموظفين المدنيين العاملين في إطار بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية (المينورسو)، وسحب مساهمتها المالية التطوعية التي كانت تمنحها لهذه البعثة الأممية، إلى جانب بحث صيغ سحب التشكيلات المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السلم .
كما هاجم الوزير المغربي المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون “ناصر بوريطة” الأمين العام للأمم المتحدة ، واعتبره تطاول على ملك المغرب ، ووصل الأمر إلى مجلس الأمن الذي عقد اجتماعا حول التوتر بين المغرب وبين المنظمة الأممية الخميس الماضي , دون أن يخرج بشيء سوى تعبير الدول الأعضاء عن قلقهم من الخلاف الطارئ بين الأمم المتحدة والمغرب ….
لا يمكن قراءة تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة تجاه أزمة عالقة منذ عقود ….إلا ضمن سياق تاريخ المنظمة الدولية الحافل بإثارة النزاعات وإشعال الحرائق في الدول الإسلامية , ليصار فيما بعد إلى إطفائها بما يخدم مصالح وأجندة الدول الغربية , من خلال صنيعة هذه الدول “الأمم المتحدة” .
وهل كان النزاع على الصحراء الغربية إلا صنيعة الاحتلال الفرنسي والإسباني قبل أن يخرج مدحورا من بلاد المسلمين في المغرب ؟!