يظهر ذلك جليا في قول رأس الكنيسة الكاثوليكية بأوروبا منذ أيام : “ويمكننا الحديث اليوم عن غزو عربي لأوروبا، بأنه واقع حال اجتماعي” , ومع أن الأخير قد حاول تلطيف هذا التصريح العنصري بقوله : “لكن موجات اللاجئين تعني أيضاً فرصاً جديدة لأوروبا التي شهدت في تاريخها موجات “غزو” كثيرة ، فعبرتها متقدمة دائماً إلى الأمام ، لتعود أكثر غنى بتنوع الثقافات” – حسب تعبيره – إلا انه ربما لم يدر أنه بذلك قد انطبق عليه المثل القائل ” جاء ليكحلها فأعماها” , فاستخدام تعبير الغزو الذي لا يأتي إلا من العدو لم يكن إلا تعبيرا عن نظرة الكنيسة الغربية إلى اللاجئين الوافدين إلى القارة العجوز .
قد يجد البعض تناقضا بين وصف “فرنسيس الأول” اللاجئين بأنهم غزاة , وبين وصفه المرشح للرئاسة الأميركية “دونالد ترامب” بأنه “غير مسيحي” قبل أسبوعين لنيته بناء جدران لمنع تدفق اللاجئين حسب وصفه…. إلا أن المطلع على أسلوب الغرب الصليبي الخبيث المخادع في التعامل مع الإسلام والمسلمين يعلم جيدا أنه لا تناقض بين هذا التصريح وذاك , فهم لا يحبذون العداء الصريح المعلن للإسلام والمسلمين الذي عبر عنه “ترامب” , ويفضلون الطريقة التقليدية التي يتبعونها منذ قرون في عدائهم الخفي للمسلمين , وإن كانت هذه السياسة قد تغيرت وطرأ عليها الكثير من التعديلات في الآونة الأخيرة .
لم يكن هذا التصريح العنصري ضد اللاجئين المسلمين إلى أوروبا هو الأول من نوعه , فقد سبقته الكثير من التصريحات الأكثر عدائية والأشد عنصرية تجاه اللاجئين المسلمين , إلا أن خصوصية هذا التصريح تأتي من كونه من أعلى شخصية دينية في أوروربا , الأمر الذي يعكس مدى الهلع والخوف الأوروبي ليس من مجرد دخول هذا العدد الكبير من المسلمين لبلادهم , بل من حقيقة تأثر مسيحيي أوروبا بالإسلام ودخولهم في دين الله أفواجا .
وبغض النظر عن الكثير من التصريحات والتصرفات من قبل ساسة دول البلقان وأوروبا الشرقية وحتى الغربية , والتي تؤكد وجود عنصرية فاضحة تجاه اللاجئين المسلمين , فإن النموذج المجري المتمثل برئيس وزراء المجر “فيكتور أوربان” يعتبر الأكثر وضوحا في هذا السياق , فقد قالها الأخير صراحة في سبتمبر من العام الماضي : “إن تدفق اللاجئين على أوروبا يهدد بتقويض الجذور المسيحية للقارة ، وإن الحكومات يجب أن تضبط حدودها قبل أن تقرر عدد طالبي اللجوء الذين يمكنها استقبالهم” .
ولم تتوقف تصريحات “أوربان” العنصرية منذ بداية أزمة اللاجئين إلى أوروبا وحتى الآن , فمنذ أيام فقط واصل الأخير سلسلة تصريحاته العنصرية ضد اللاجئين , رافضا خطة فرض حصص من المهاجرين على الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي , , متهما اللاجئين بالمجرمين والإرهابيين , قائلا في خطابه السنوي عن حالة البلاد : “لا يمكن أن نسمح بأن تُفرض علينا النتائج السيئة لسياستهم المضللة الخاصة بالهجرة. لا نريد استيراد جريمة أو إرهاب أو رهاب من المثلية أو معاداة للسامية إلى المجر”.
وعلى الرغم من أن تدفق اللاجئين المسلمين من سورية والعراق وغيرها إلى القارة العجوز لم يكن إلا ضرورة وخيارا وحيدا بعد أن تواطأت أمريكا والدول الغربية على الثورة السورية وتعامت عن جرائم طاغية الشام والرافضة بحق السوريين والعراقيين , ومع أن أعداد اللاجئين إلى جميع دول القارة العجوز لم تتجاوز بعد ثلث أعداد اللاجئين بتركيا وحدها , إلا أن جميع أجراس الإنذار قد دقت في أوروبا , وتراكض ساسة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا لمساعدتهم في وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها .
لقد كشفت ما تسميه الدول الغربية “أزمة اللاجئين” عن زيف ما كانت ترفعه أوروبا على مدى عقود من الزمان من شعارات , وأظهرت مدى الانحطاط في الأخلاق وانعدام الضمير الذي وصل إليه ساسة الدول الغربية , حيث بلغت درجة الانحطاط إلى درك إعطاب قوارب اللاجئين في عرض البحر ليكونوا طعاما للأسماك قبل أن يصلوا إلى شواطئها !!
ثم ها هي أعداد المهاجرين واللاجئين في اليونان تصل إلى نحو 32 ألفا , جزء كبير منهم عالقون في مخيم “إيدوميني” على الحدود الشمالية لليونان مع مقدونيا , في ظروف إنسانية لا تمت بصلة إلى أبسط حقوق الإنسان التي زعمت أوروبا أنها وأمريكا رائدة فيه ولا تتساهل أو تتهاون في انتهاكه , فأين هي تلك الشعارات ؟!!
لا عجب أن نسمع من بابا الفاتيكان ما يعبر عن الهلع والخوف من تدفق المسلمين إلى القارة العجوز , فالأرقام والإحصائيات تشير إلى اعتناق الكثير من مسيحيي أوروبا الإسلام , وهو ما يعتبره من وجهة نظره “غزوا” بينما هو في الحقيقة فتحا بدون قتال لدول كانت بمعظمها إسلامية يوما ما .