1- أولى هذه الدلالات تتمثل في شدة تأثير الخطاب الديني السني الوسطي في غير المسلمين حول العالم , حيث أدخل هذا الخطاب – الذي يمثل أهل السنة حقيقة – الناس في مشارق الأرض ومغاربها في دين الله أفواجا , وقد كان آخرهم امرأة مسيحية أشهرت إسلامها على يد الشيخ القرني بعد الانتهاء من محاضرته بالأمس ….الأمر الذي أزعج بلا شك أعداء الدين الخاتم وأربكهم , ودفعهم لمواجهته بكل السبل الممكنة بما فيها خيار محاولة التصفية والاغتيال .
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الشخصية الإسلامية التي تمت محاولة اغتيالها بالأمس , ألا وهي شخصية الشيخ الدكتور عائض القرني , التي تمثل في الحقيقة النموذج الأمثل للاعتدال والوسطية الحقيقية للخطاب الديني السني الذي تحاول الرافضة والدول الغربية تشوييه وإلصاق تهمة الإرهاب والتطرف فيه , بل وتحميله المسؤولية عن ظهور الجماعات المتطرفة كـ “داعش” مثلا ….فإن ذلك يؤكد شدة وطأة خطاب أمثال الشيخ القرني على أعداء الأمة , حيث يكشف هذا الخطاب عن مدى الافتراء والكذب فيما يتعلق باتهام الفكر السني بالتطرف , بل ويؤكد أن خطاب أهل السنة – من أمثال خطاب الشيخ القرني – هو الضمانة الوحيدة المتبقية للوقاية من التطرف والإرهاب الذي يصنعه في الحقيقة أعداء الأمة ويغذونه ثم ينسبونه زورا وبهتانا لأهل السنة .
وإذا أضفنا إلى ما سبق إدراك علماء السعودية ودول الخليج عموما للخطر الرافضي مبكرا , والتحذير من المشروع الصفوي منذ زمن , والاستمرار في ذلك – رغم انخداع الكثير من علماء الأمة بشعارات الرافضة الكاذبة – حتى أكدت الأيام صواب ما كان يحذرون منه ….فإن محاولة اغتيال أحد أهم دعاة السعودية بالفلبين يشير بوضوح إلى رمزية هذا الاستهداف , حيث يدل على أن تصفية هذه الفئة من العلماء هي في رأس قائمة أولويات أعداء الأمة , نظرا لدورها الكبير في تحجيم التمدد الرافضي خارج أرضه , وإخراج الناس من ظلمات المادية والعبودية لغير الله إلى نور الحق المتمثل بالإسلام الصحيح .
وإذا كان خطاب الشيخ “القرني” وأمثاله بهذا التأثير الإيجابي لصالح الحق وأهله , وبهذا الحجم نكاية بالعدو ومحاصرته , فمن المفترض أن يركز الدعاة والعلماء على هذه الوسيلة , التي هي في الحقيقة الأصل في مواجهة الباطل وأزلامه , وأن لا ينشغلوا عنها بذريعة أن الحديد لا يفله إلا الحديد , فلكل مقام مقال كما يقال , ولا تعارض بين هذا وذاك في مواجهة أعداء الأمة .
2- إفلاس الرافضة وغيرهم من أعداء أهل السنة فكريا ودعويا وعلميا أمام مواجهة الفكر والدعوة الإسلامية السنية الصحيحة الوسطية , الأمر الذي يدفعهم دفعا إلى ترك ميدان مواجهة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة والإقناع بالإقناع , إلى استخدام العنف والسلاح ومحاولة التصفية الجسدية والاغتيال .
ولا غرابة في ذلك ولا عجب , فكيف يمكن للباطل أن يواجه الحق أو يصمد أمامه فضلا عن أن يهزمه , وهو لا يمكن مقومات الاستمرار والبقاء الذاتية , وإنما يستمد وجوده واستمراره من عوامل أخرى آنية ومرحلية , فغاية ما يستطيعه الباطل أن يؤخر أمد زواله وزهوقه فحسب , قال تعالى : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } الإسراء/81 , وقال تعالى : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } الأنبياء/18 .
ولعل أهم وسائل أتباع الباطل في تأخير زمن زوال باطلهم التهديد باستخدام البطش والقتل والتنكيل ضد أهل الحق , وذلك بعد هزيمة الباطل المؤكدة و المدوية في مواجهة الحق فكريا , وقد ذكر القرآن الكريم نموذجا لما سبق في قصة موسى عليه السلام مع فرعون , حيث لجأ الأخير إلى تهديد نبي الله بالقتل والبطش بعد أن انهزم أمامه فكريا وعقليا , قال تعالى : { فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } الأعراف 118 – 124
والحقيقة أن أعداء الأمة من الرافضة واليهود والصليبيين يدركون جيدا أنهم على باطل , وأن الإسلام السني الصحيح هو الحق , ومن هنا فإنهم يحاولون دائما تشويه صورة الحق السني باتهامه بالتطرف والإرهاب , فإذا ظهر من يرد على هذه الاتهامات , ويفند تلك الافتراءات ويكشف عوارها وكذبها , ويظهر جمال الحق وروعته الذي يحاولون طمسه وإخفاءه …..فإنهم لن يجدوا وسيلة لإخماد صوته وإفشال محاولته إلا بمحاولة اغتياله وتصفيته , إذ لا فرصة لهم في مقارعته بالحجة والدليل والعقل والمنطق .
كثيرة هي الدلالات التي يمكن أن تستنتج من حادثة محاولة اغتيال الشيخ عائض القرني , لعل أهمها توجيه رسالة تهديد لعلماء أهل السنة ودعاتها من مغبة نشر دعوة الإسلام الحق الصحيح في العالم , الذي من شأنه أن يكشف زيف باطلهم ويسحب البساط من تحت أقدامهم .
ولكن هيهات لأمثال هذا التهديد أن يجدي نفعا مع أمة يتلو فيها العلماء والدعاة وعامة المسلمين في دستورهم القرآن قوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } الأنفال/30 , و قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } سبأ/28 .