يبدو أن روسيا تريد أن تضع مفاوضات جنيف 3 بشأن سوريا المقرر أن تبدأ بعد أيام قليلة قي "ثلاجتها" الخاصة؛ فتحدد من يحضر من المعارضة السورية وماذا يقول وماذا يقدم الوفد المفاوض التابع لنظام الأسد…
موسكو أعلنت أنها لن توافق على مشاركة من تسميهم بـ "الإرهابيين" دون تحديد للمعايير التي تستخدمها لإطلاق هذه الصفة..فهل مثلا تقصد موسكو من يقتلون المدنيين أو من يعذبون السجناء داخل المعتقلات ويغتصبون النساء أو من يجوعون الأطفال وكبار السن أو من يقصفون المساجد بالبراميل المتفجرة أم من يقتلون الأبرياء بالغازات السامة؟..
إذا كانت تقصد هؤلاء فمن باب أولى أن تلتفت للفريق الذي تقف معه وتدافع عنه بجيشها وطائراتها فهو المتهم الأول بالوثائق والأدلة من المجتمع الدولي بهذه الجرائم وعليها أن تجبره على التخلي عن قائده الذي تصر على استمراره في الرئاسة لآخر نفس حفاظا على مصالحها…
روسيا تشن حرب إبادة على الشعب السوري منذ دخولها الحرب إلى جانب الأسد بصورة رسمية وكل يوم تقتل وتصيب عشرات المدنيين بطائراتها الحربية وتريد أن تفلت بكل هذا وتخرج للرأي العام لكي تحدد من "الإرهابي" ومن "المعتدل"!…
روسيا ومن ورائها النظام النصيري الطائفي الذي تدافع عنه يريدان معارضة مستأنسة مثل هذه المعارضة التي تعيش في كنف النظام بدمشق, معارضة شكلية من باب تحسين صورة النظام وتكريس وجوده واستمراره أما المعارضة التي تكشف حقيقته وتقف أمام جرائمه بجدية فهي "إرهابية" حتى لو كانت تدافع عن حق الملايين من السوريين في حياة أفضل بعد أن أذاقهم النظام السوري العذاب ألوانا طوال عقود متتالية وعندما خرجوا مطالبين بحقوقهم في سلمية تامة لم يجدوا سوى رصاصه ومعتقلاته…روسيا لا تريد تفاوضا حقيقيا ولا انتقالا سلميا للسلطة لأن هذا لا يصب في مصلحتها التي ترتكز على وجود نظام مستبد تابع لها يخشى من شعبه فيرتمي في أحضانها..
حتى الآن لم يوف المجتمع الدولي بالشروط التي قطعها على نفسه من أجل بدء المحادثات مثل رفع الحصار وإطلاق المعتقلين وبدء عملية إنسانية لإنقاذ الآلاف من الموت جوعا وبردا… وكان رياض حجاب رئيس هيئة المفاوضات قد اتهم روسيا في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة السعودية الرياض بعرقلة سير المفاوضات من خلال فرضها أسماء على وفد التفاوض…
كما اتهم رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، روسيا وآخرين بمحاولة تقويض المفاوضات المتعلقة بالتوصل إلى حل للصراع الدائر في سوريا بإشراك جماعات مثل وحدات حماية الشعب الكردية السورية. و اعتبر أن روسيا تعقِّد قتال تنظيم "داعش" بقصف المعارضة السورية "المعتدلة"…
هذه المعطيات تأتي في وقت لا تحرك فيه أمريكا ساكنا أمام المطالب والشروط الروسية حتى أن صحيفة أمريكية شهيرة هي الـ "واشنطن بوست"، أكدت أن المسئولين الأمريكيين يرون أن التعاون مع روسيا هو أحسن المتاح من الخيارات السيئة. وأشار ت إلى أنه لا تستطيع الإدارة الأمريكية تجاوز بوتين في سوريا، وأضافت "إن استعداد أوباما للتعاون مع بوتين تعبير عن اليأس أو البراغماتية وربما تداخل الأمرين في سوريا". وتابعت: أن المهم في الأمر أن بوتين نجح بإقناع أوباما للتعاون معه في الساحة السورية. ونجحت روسيا على الأقل في الوقت الحالي في تسجيل عدد من النقاط الإستراتيجية، منها صرف الانتباه الدولي عن مشاكلها في أوكرانيا، ما جعل من الصعوبة بمكان أمام الغرب مواصلة جهوده بعزل روسيا. وزادت الصحيفة: "أما النقطة الثانية، فقد اقتنع الغرب بترحيل المشاكل الخلافية في النزاع السوري بعد تسوية القضايا المشتركة بين المتصارعين على الساحة السورية وداعميهم الإقليميين والدوليين"…مما سبق نجد أن المفاوضات أصبحت تدور حول راعٍ واحد فقط لا يمكن أن يكون محايدا وهو ما يقذف بالمفاوضات إلى الهاوية.