وعلى الرغم من تهوين وزير الموارد المائية المصري د. حسام مغازي من الخطوة الإثيوبية , وتأكيده بأن تحويل مجرى النيل “إجراء طبيعي” , وأن ذلك لا يعني من الناحية الفنية تخزين أي كميات مياه أمام السد ….. فإن الخطوة أثارت الكثير من الجدل في الأوساط السياسية المصرية , وحملت الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى المفاوضات الجارية حتى الآن بهذا الخصوص , وأثارت الكثير من الهواجس والمخاوف من تبعات وعواقب السد على الأمن المائي لمصر .
ويرى بعض السياسيين والحقوقيين المصريين أن طريقة إدارة النظام المصري لمفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا هي المسؤولة عن تداعياتها على الشعب المصري , مؤكدين أن إثيوبيا ما كانت لتجرؤ على تحويل مسار نهر النيل والبدء في تشغيل السد لولا توقيع “السيسي” على وثيقة سد النهضة عام 2013م , والتي أكد الكثير من الخبراء والمختصين خطره الأكيد على مصر حكومة وشعبا .
وقد اعتبر الكثير من القانونيين أن ذلك التوقيع يعد تفريطا بحقوق مصر المائية , وتنازلا عن شريان الحياة لبلد يعتمد على مياه النيل بشكل أساسي في تأمين مياه الشرب و ري الأراضي الزراعية .
لقد تسبب التوقيع – حسب حقوقيين – في مضي إثيوبيا قدما في إتمام عملية البناء والتشييد , وقد مكنها من إنهاء 50 بالمئة من إنشاءات السد قبل إجراء الدراسات الفنية المطالبة بها ، وهو ما يقلل من أهمية أي اتفاقيات يتم التوصل لها لاحقا .
والحقيقة أن من يتابع ما تتمخض عنه المفاوضات الإثيوبية السودانية المصرية بخصوص السد , والتي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، يتأكد له أنها عبثية ولم تأت بجديد , فعلى الرغم من انتهاء الجولة الــ11 من تلك المفاوضات أمس , والتي تمخض عنها – بعد ثلاثة أيام من المفاوضات – ما يسمى “وثيقة الخرطوم” … إلا أن مستشار وزير الري المصري السابق ضياء الدين القوصي أكد أن كل بنود الوثيقة مجرد كلام مرسل تضمنته اتفاقية المبادئ ، وأنه لا جديد في تلك المفاوضات أبدا .
العجيب في الأمر هو تعامل النظام المصري مع قضية مصيرية – كقضية الأمن المائي – بهذه الطريقة غير الجادة ولا المسؤولة , والانشغال عنها بقمع المعارضة الداخلية ومحاربة ما يسميه “الإرهاب” …. لتستغل إثيوبيا ذلك الوقت بالإسراع بإتمام عملية بناء السد , ووضع مصر أمام الأمر الواقع .
لم تكن هذه الأزمة هي الوحيدة التي نجمت عن عزل أول رئيس مصري منتخب بمصر في 3 من يوليو 2013م , بل هي في الحقيقة واحدة من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية كثيرة , لم يجد النظام المصري الحالي حلا لأي منها حتى الآن , بل يغرق مصر بمزيد منها يوما بعد يوم .
والأعجب من طريقة تعامل النظام المصري مع أزمة سد النهضة ومخاطره الجسيمة على مصر وأهلها هو : طريقة تناول الإعلام المصري لهذه الأزمة , فبينما كان يطالب في عهد الرئيس المنتتخب مرسي باتخاذ كافة الوسائل المتاحة لمنع إتمام بناء السد بما في ذلك الخيار العسكري – حفاظا على أمن مصر المائي – لا نراه اليوم يلوح بخيار من هذا القبيل , بل يدعو لمعالجة المسألة بالوسائل الدبلوماسية !!
إن مخاوف مصر من تأثير سد النهضة على حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب) هي مخاوف حقيقية , وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار تجنب البيان الختامي للمباحثات – التي انتهت أمس – الخوض في القضايا الجوهرية والخلافية لأزمة السد , والمتمثلة : بالحفاظ على انسيابية نهر النيل وعدم إنقاص حصة مصر السنوية منه , بالإضافة لترتيبات إدارة وتشغيل السد , ومسألة وملء البحيرة والسعة التخزينية …..
وإذا ما قرأنا بشكل صحيح رفض “أديس أبابا” عددا من المقترحات المصرية التي تطالب بوقف بناء السد إلى حين اكتمال الدراسات البيئية والاقتصادية ، وتلك الخاصة بالفترة الزمنية لملء البحيرة ….. فإن كل ذلك يشير بوضوح إلى أن إثيوبيا ماضية في تحقيق مصالحها على حساب أمن مصر المائي , و أن مصر مقبلة على مجاعة مائية وخطر محدق لا يرى بعض الحقوقيين إمكانية تجنب تبعاته إلا بطريقة واحدة هي : التمسك بعدم شرعية من وقّع الوثيقة .