والحقيقة أن هذا الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية قد بعثت بكثير من الرسائل محليا وإقليميا ودوليا , يمكن استعراض بعضها فيما يلي :
1- لعل الرسالة الأهم التي بعثت بها نتائج الانتخابات التركية بالأمس على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي هي التأكيد على هوية تركيا الإسلامية , وتوجيه صفعة قوية لكل من يريد أن يرسخ العلمانية فيها .
قد يقول قائل بأن العلمانية هي الأصل في الدولة التركية منذ فرضها أتاتورك على الشعب التركي , إلا أن الحقيقة أن الشعب التركي لم يقبل أبدا بهذه الهوية التي فرضت عليه , وقد نافح وناضل لاستعادة هويته الأصلية الإسلامية عقودا من الزمان , وبذل الكثير من الرموز التركية الغالي والنفيس في سبيل هذه الغاية العظيمة , وعلى رأسهم “عدنان مندريس” الذي لقب بشهيد “الأذان” بعد أن انقلب عليه الجيش التركي وأعدمه عام 1960 – 1961 م .
إن حصول حزب العدالة والتنمية ذو الصبغة الإسلامية على حوالي نصف أصوات الناخبين الأتراك بالأمس , رغم الحملة الشرسة التي تشنها الأحزاب العلمانية والكردية المعارضة عليه , محاولة اتهامه بمحاولة تغيير هوية تركيا العلمانية , ناهيك عن المؤامرات الإقليمية والدولية ضده ….. هي في الحقيقة رسالة قوية إلى العالم أجمع بأن الشعوب الإسلامية ما زالت متمسكة بهويتها الإسلامية , رغم الجهود المادية والمعنوية التي بذلها الاستعمار الغربي في سبيل طمس هذه الهوية وإزالتها من النفوس .
لقد اضطر حزب العدالة والتنمية تغيير شعاره الانتخابي الذي كان “هيا باسم الله” بعد أن اعترضت عليه الأحزاب المعارضة بدعوى أنه شعار ديني , إلا أن أنصار الحزب هتفوا بهذا الشعار بعد صدور النتائج شبه النهائية أمس باسطنبول , في رسالة واضحة للتأكيد على هوية تركيا الإسلامية .
والحقيقة أن من يدقق في المعركة الأهم التي ما زالت دول الربيع العربي تخوضها حتى الآن , لا يشك لحظة بأنها معركة الهوية بامتياز , ولعل ما خرج به المجتمعون في “فيينا” بالأمس القريب بشأن العبث بهوية سورية التي يريدها الغرب وأزلامه “علمانية” , وما جرى ويجري في كل من مصر واليمن وليبيا …. يؤكد ذلك .
2- وإذا كانت رسالة الهوية من أهم رسائل انتخابات الأمس محليا وإقليميا ودوليا , فإن رسالة الاستقرار هي الأهم محليا , فقد صوت الشعب التركي لصالح استقرار بلدهم بعد حالة من الاضطرابات في الأشهر الخمس الماضية على الصعيد الأمني والاقتصادي .
لقد شعرت الكتلة المؤثرة في الانتخابات التركية التي تقدر بحوالي 10 % أن حالة الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي التي كانت تنعم بها قد تأثرت بشكل واضح بعد نتائج انتخابات حزيران الماضي , وأيقنت أن تصويتها لصالح حزب العدالة والتنمية ليحقق الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا هي الوسيلة الأنجع للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة , خصوصا بعد أن عاينت مواقف الأحزاب المعارضة اللامسؤولة تجاه ما يجري في البلاد من عمليات إرهابية , حيث أظهرت تصريحات بعض هذه الأحزاب تأييدا لتلك العمليات , ضاربة بعرض الحائط المصالح العليا للبلاد والعباد .
بل إن بعض الأحزاب المعارضة قد حاولت استغلال بعض الأحداث الإرهابية التي وقعت بتركيا – و كان آخرها وأخطرها تفجير أنقرة الذي أودى بحياة أكثر من 100 قتيل ناهيك عن مئات الجرحى والمصابين – لأهداف سياسية , فجاءت الرسالة واضحة عبر صناديق الانتخابات , حيث عاقبت أصوات الناخبين تلك الأحزاب , وظهر ذلك جليا بخسارة الحركة القومية لنصف أصوات المصوتين لها , بينما خسر حزب الشعوب الديمقراطي ما نسبته 2,5% من أصوات الناخبين مقارنة مع انتخابات حزيران الماضي .
3- ولعل الرسالة القوية الثالثة لنتائج هذه الانتخابات كانت موجهة لأعداء ما يسمى “الربيع العربي” من الدول الإقليمية والدولية , التي كانت تكيد لحزب العدالة والتنمية , وتتمنى له هزيمة ساحقة بعد تراجع نتائجه في انتخابات حزيران الماضي , نظرا لكونه المساند القوي لتلك الثورات بشكل عام .
لقد أصابت نتائج انتخابات تركيا بالأمس كثير من تلك الدول – وعلى رأسها إيران والنظام السوري” – في مقتل , حيث كانت تراهن على عدم حصول حزب أردغان على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة منفردا , الأمر الذي يخرج تركيا من مواصلة دعم الثورة السورية , ناهيك عن إخراجها – أو إضعافها على أقل تقدير – من دائرة الاستمرار في مواجهة المخططات الغربية الصفوية في المنطقة .
هذا غيض من فيض ما حملته نتائج انتخابات الأمس في تركيا من رسائل محلية وإقليمية ودولية , ولعل آثار نتائج تلك الانتخابات على الصعيد المحلي التي ظهرت بالفعل بارتفاع قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي بنسبة 1,5% عن سعرها عند إغلاق التعاملات بالبورصة التركية يوم الجمعة الماضي , وكذلك على الصعيد الإقليمي فيما يخص القضية السورية والفلسطينية , ناهيك عن الصعيد الدولي فيما يخص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي …..ستظهر قريبا .