العملية العسكرية «عاصفة الحزم» التي أطلقتها عشر دول عربية وإسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية ضد جماعة الحوثيين في اليمن، تلبية لدعوة الرئيس الشرعي للجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي، حظيت بتأييد شعبي واسع في الشارع العربي، وأثلجت صدور ملايين العرب والمسلمين الذين شاهدوا سقوط عواصم الحضارة العربية والإسلامية واحدة تلو الأخرى في أيدي طهران وأذنابها بمباركة الإدارة الأميركية وضاقوا ذرعا من وقاحة قاسم سليماني وجرائم ميليشياته في العراق وسوريا.
التدخل في اليمن لم ينتظر قرارا من مجلس الأمن ولم يتم بدعم أميركي، بل جاء بمبادرة السعودية التي أدركت مدى خطورة الوضع في اليمن، كخطوة جريئة بالاتجاه الصحيح لوضع حد للتمدد الطائفي وإعادة إيران إلى حجمها الطبيعي. وبمعنى آخر، فرضت الدول العربية والإسلامية المشارِكة في العملية خيارها على الجميع.
تركيا لم تشارك في عملية «عاصفة الحزم» بطائراتها إلا أنها أعلنت عن تأييدها للعملية واستعدادها للمشاركة فيها بدعم لوجستي. وطالبت وزارة الخارجية التركية في ختام بيانها، جماعة الحوثيين و»الداعمين لهم في الخارج»، في إشارة إلى إيران، الكف عن الممارسات التي من شأنها أن تصعّد التوتر وتخل بالأمن العام في المنطقة. وذهب رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان إلى أبعد من ذلك ودعا إيران بشكل صريح إلى إعادة النظر في سياساتها وسحب جميع قواتها من اليمن وسوريا والعراق.
الظروف في اليمن وسوريا إن لم تتطابق مائة بالمائة فإنها متشابهة إلى حد كبير، ولذلك أعلنت حركة أحرار الشام وجيش الإسلام وفيلق الشام من فصائل الثورة السورية بالإضافة إلى إخوان سوريا والائتلاف السوري لقوى المعارضة تأييدها لعملية «عاصفة الحزم» ودعت إلى تشكيل تحالف مشابه للتدخل في سوريا «ليضرب قوات الاحتلال الإيراني وحلفائه من المليشيات الدخيلة على الشام».
مركز سيتا للدراسات عقد يوم الخميس الماضي في العاصمة التركية ندوة حول الأزمة السورية، وكان المتحدثون في الجلسة الأولى كبير مستشاري أردوغان والناطق باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين، ورئيس الائتلاف السوري خالد خوجا، والمدير العام لقناة العرب الإخبارية جمال خاشقجي. وكتب خاشقجي في حسابه بموقع «تويتر» أن كالين قال له إن «عاصفة الحزم» يمكن أن تطبق في سوريا حيث توجد «نفس المشاكل والظروف».
دول الخليج بقيادة السعودية قررت التدخل في اليمن دون قرار أممي وغطاء أميركي حين شعرت بالمخاطر التي تهدد أمنها القومي، ولم تلتفت إلى حملات التخويف من «الغرق في المستنقع اليمني» و «حرب الاستنزاف» و «المواجهة مع إيران» و «تحريك طهران خلاياها في الخليج». وهناك مخاطر كبيرة تحيط تركيا من جنوبها وتهدد أمنها القومي إلا أن أنقرة بحاجة إلى «الحزم» ووضع التردد جنبا لأخذ زمام المبادرة من أجل إزالة تلك المخاطر وإنقاذ الشعب السوري من براثن النظام الدموي وأعوانه.
تركيا هي الأولى لأن تقود تحالفا عربيا وإسلاميا للتدخل في سوريا بحكم الجوار ومصالحها الاستراتيجية. وقد يقول قائل إن الظروف تختلف في سوريا عن تلك التي في اليمن ويشير إلى الدعم الروسي وموقف المعارضة التركية وعوامل أخرى «تكبل يد تركيا» إلا أن كل ذلك لا يغير حقيقة أن الدعم العسكري التركي للثورة السورية لم يكن على المستوى المطلوب ولم يصل إلى مستوى الدعم السياسي والإنساني الذي قدمته أنقرة للشعب السوري في نضاله للحصول على حريته وكرامته.
نعم، يمكن تكرار عملية «عاصفة الحزم» في سوريا لإسقاط النظام وإنهاء المجازر دون انتظار غطاء أممي اتضح جليا أنه لن يأتي مهما طال الزمن ومهما ارتكب النظام السوري والميليشيات الطائفية من مجازر مروعة. ويحتاج مثل هذا القرار إلى الإرادة ومزيد من الجرأة والحزم لتشكيل تحالف تشارك فيه دول عربية وإسلامية لضرب قواعد النظام السوري وفرض الحظر الجوي لحماية أطفال سوريا من البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، دون الحاجة إلى عملية برية وإرسال جنود إلى الأراضي السورية، لتستكمل فصائل الثورة بقية المهمة مع الدعم المالي والتسليح.
@ismail_yasa