لا شيء يعلو أو يتقدم على المصالح المادية والأطماع الاستعمارية في السياسة الأمريكية والغربية الصليبية عموما على ما يبدو , فأينما وُجد المال والثروة وُجدت مكائد اليهود والنصارى التي تحاك للوصول إلى تلك الثروة بأي وسيلة أو طريقة , وحب الذهب والفضة واكتنازهما صفة ملازمة لليهود على كل حال .
وإذا أضفنا إلى المصالح المادية كراهية اليهود والصليبيين للإسلام منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية وحتى الآن , فإن الدافع إلى محاولة طمس معالم الإسلام والنيل من أتباعه من المسلمين في شتى أنحاء العالم يصبح أمرا لا يشك فيه مسلم عاقل . ولعل تلك الدوافع هي التي تحدو بالولايات المتحدة الأمريكية للحلول دون حصول مسلمي الفلبين على حقوقهم المشروعة , فها هي الأصابع الأمريكية تعبث بالاتفاق الذي تم بين جبهة مورو الإسلامية ممثلة برئيسها حاجي مراد إبراهيم من جهة , و الحكومة الفلبينية ممثلة بالرئيس الفلبيني " بنينو أكينو" من جهة أخرى، وذلك في أكتوبر من عام 2012م، والذي ينص على إقامة منطقة حكم ذاتي للمسلمين ، يطلق عليها اسم "بانجسامورو"، في جنوب الفلبين ذو الغالبية المسلمة بحلول عام 2016.
تبدو أصابع العبث الأمريكية بالاتفاق الذي تم واضحة , فهي تسعى لعرقلة أي مسعى يحقق للمسلمين هناك حلمهم بالاستقلال , خاصة إذا عُلم أن هناك فوق الحؤول دون حصول مسلمي الفلبين على حقوقهم المشروعة , منافع اقتصادية ومادية لا تعد ولا تحصى , حيث يعتقد أن المنطقة الجنوبية من البلاد تضم احتياطيات من النفط والمعادن تصل قيمتها إلى تريليون دولار أمريكي . ولعل بصمات الأصابع الأمريكية لا تخفى على جريمة مقتل عدد كبير من رجال الشرطة الحكومية جنوب البلاد في كانون الثاني من العام الماضي , والتي على إثرها بدأت الحكومة بحملة أمنية منذ 21 شباط الماضي ضد المنطقة , قتل خلالها العشرات من حركة مقاتلي "بانجسامورو الأحرار الإسلامية" وجنود من الحكومة الفلبينية , الأمر الذي يهدد اتفاق الحكم الذاتي الذي تم عام 2012م .
لقد اتهم النائب في البرلمان الفلبيني "تيري ريدون" الإدارة الأمريكية صراحة بالوقوف وراء تنسيق عملية "ماماسابانو" ، والتي أسفرت عن مقتل 44 قائداً عسكرياً من القوات الخاصة الفلبينية نهاية كانون الثاني/يناير الماضي ، وما نجم عنها من عودة المواجهة العسكرية بين الحكومة وحركة مورو الإسلامية , وذلك لوضع العصي في عجلة تنفيذ اتفاق الحكم الذاتي لمسلمي الفلبين في الجنوب . وأضاف ريدون أن الهدف الوحيد من تلك الهجمات ؛ هو ترحيل شعب المورو من المنطقة ؛ من أجل إفساح المجال أمام الشركات الأجنبية لاستغلال الموارد الطبيعية الهائلة هناك , مشيرا إلى أن أمريكا تحاول أن تجد موطأ قدم لها في المنطقة الغنبية بالنفط والمعادن . لم يكن هذا الاتفاق هو الوحيد الذي تتم عرقلته , فقد تمت عرقلة اتفاق عام 1976م المسمى "اتفاقية طرابلس" نظرا للوساطة الليبية آنذاك , والذي ينص على منح المسلمين حكماً ذاتيا أيضا ، إلا أنه لم يدخل الاتفاق حيز التنفيذ نظرا لمماطلة الحكومة الفلبينية .
لا يبدو أن الاحتلال الإسباني للفلبين قد اكتفى بما صنعه في زمن الاحتلال , من عبث بالهوية الإسلامية لهذا البلد الذي عرف الإسلام منذ عام 800 هجري عبر الدعوة إلى الله كما أمر القرآن الكريم : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن } النحل/125 , و ذلك من خلال طمس معالم الإسلام في تلك البقعة النائية في أقصى شرق آسيا , بدءا بتغيير اسم المنطقة ككل بتحويل اسمها الإسلامي الحقيقي "عذراء ماليزيا" إلى "الفلبين" نسبة إلى ملك الإسبان فيليب الثاني عام ( 923 هجري – 1521م ) , وتحويل اسم عاصمتها الإسلامي "أمان الله" إلى "مانيلا" … كما لا يبدو أن الاحتلال الأمريكي اكتفى بحرمان المسلمين من حقوقهم المشروعة في حكم ذاتي في المنطقة التي يشكلون فيها أغلبية جنوب البلاد قبيل نيل الفلبين الاستقلال عام 1946م , وذلك من خلال ضم الأمريكان الجنوب إلى الشمال قبيل مغادرتهم البلاد عسكريا , مع توريث الصليبيين مقاليد السلطة والحكم ليسوموا المسلمين سوء العذاب والاضطهاد . لقد كان طبيعيا تحت وطأة الظروف التي يتعرض لها المسلمون في الفلبين أن يقوم نور مسواري بتأسيس "الجبهة الوطنية لتحرير مورو" سنة 1972م ، وذلك بعد أن أعلن الرئيس الفلبيني "ماركوس" الأحكام العرفية في الجنوب ، ليبدأ الصراع العسكري بين الحكومة والجبهة لمدة 40 عاما حتى عام توقيع الاتفاق الأخير 2012م . وعلى الرغم من أن مسلمي الفلبين يشكلون ما نسبته 25% من عدد السكان الذي يفوق 98 مليونا حسب آخر إحصاء دولي , إلا أن أمريكا وأزلامها هناك مصرين على ما يبدو على حرمان المسلمين من أبسط حقوقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم .