بسم الله الرحمن الرحيم
واقع أداء فصائل العمل الإسلامي في ظل التحديات
"اليمن انموذجا".
د. محمد بن موسى العامري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم.
وبعد:
فإن التحديات التي تواجه الأمة تكاد تكون متطابقة في كثير من بلاد السلمين فيما عدا النزر اليسير من الخصوصيات التي قد تختلف من بلد لآخر, ومرد ذلك إلى محورية الصراع وعولمته من جهة وتشابه الظروف الداخلية للبلدان من جهة أخرى, ومع ذلك فإن الحديث عن واقع الأداء لفصائل العمل الإسلامي في اليمن في ظل التحديات يتطلب تسليط الضوء في محورين:-
الأول: التحديات.
الثاني: أداء الجماعات.
فأما الشق الأول فيتلخص الحديث فيه في جانبين:-
أ. تحديات خارجية.
ب. تحديات داخلية.
فالتحديات الخارجية باتت في ما يتعلق بالشأن اليمني ظاهرة للعيان لا تحتاج إلى دليل وبرهان وبخاصة بعد أن مرت على اليمن رياح الربيع العربي فتولدت من هذه الثورة سقوط رأس النظام مع بقاء أدواته مما أسفر عن الدخول في تسوية سياسية بين جميع القوى السياسية" النظام الحاكم حزب المؤتمر وحلفاؤه" "والمعارضة أحزاب اللقاء المشترك" تحت إشراف دولي وبرعاية أممية في ظل ما يعرف بالمبادرة الخليجية التي تمخض عنها:
أ. تخلي رئيس الدولة عن الرئاسة لنائبه.
ب. إقامة حكومة وفاق وطني من النظام القديم والمعارضة.
ج. إقامة حوار وطني لمختلف القوى السياسية من السلطة والمعارضة مضافا إلى ذلك الحراك الجنوبي وحزب الرشاد وجماعة الحوثي والشباب ومنظمات المجتمع المدني والمرأة وغيرهم.
ولا ريب أن العملية السياسية باتفاق جميع القوى السياسية تتم في ظل وصاية دولية مكتملة الأركان وهو ما يعني أن يتشكل اليمن الجديد وفق معطيات جديدة يمكن أن نطلق عليها (صياغة دولية بأياد داخلية ومحلية) وسينعكس ذلك بكل تأكيد على القضايا الوطنية ذات الأجندة المركبة من الداخل والخارج كالقضية الجنوبية وقضية صعدة وجعل آلية حول شكل الدولة وتركيبتها الجديدة "الفيدرالية".
ويضاف إلى ذلك منظومة التشريعات الجديدة المتعلقة بالأسرة والمرأة والحقوق والحريات ومنظومة التشريعات المختلفة ذات المسار الليبرالي التي سوف يكون للوصاية الخارجية بصماتها وحضورها بصورة مكشوفه عن الأوضاع السابقة.
هذا وغيره عدا عن التدخلات الخارجية "غير المقننة" والمتمثلة في ضعف سيادة الدولة وفقدانها لاستقلال قرارها السياسي بسبب هشاشة النظام الذي زادت أحواله سوءا من الناحية الاقتصادية والأمنية وغيرها حتى أصبح اليمن عرضة للانتهاكات الخارجية من القصف بالطيران الأمريكي بصورة سافرة للمطلوبين أمنيا للإدارة الأمريكية.
ويضاف إلى التدخل الأمريكي والغربي في مختلف المجالات التدخل الإيراني عبر أذرعته وحلفائه من الحوثيين في شمال اليمن وبعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي في الجنوب "تيار على سالم البيض"
هذه وغيرها مما لم يذكر لمحة مختصرة عن التحدي الأول وهو الخارجي.
ب – تحديات داخلية.
وأما التحديات الداخلية في اليمن فهي كثيرة ومتشعبه ويمكن الإشارة إلى أهمها في الآتي:
أولا: الجهل والأمية.
ثانيا: الصراعات السياسية.
ثالثا: البدع المختلفة "رفض + تصوف".
رابعا: الجانب الأمني والثأرات.
خامسا: دعاة التجزئة والانفصال.
سادسا:- الأوضاع الاقتصادية المتردية.
سابعا: ضعف سيطرة الدولة على كثير من مناطق اليمن.
ثامنا:- الانقسام المجتمعي حول الربيع العربي.
أمام هذه التحديات الداخلية والخارجية يتجلى لنا واقع العمل الإسلامي من خلال أبرز الاتجاهين الرئيسيين وهما:
أولا: حزب الإصلاح "الإخوان المسلمون"
منذ فترة الستينات كانت اليمن هدفا استراتيجيا لنشاط الإخوان المسلمين وبخاصة على إثر ثورة 26 سبتمبر 1962م التي أطاحت بالنظام الإمامي في اليمن ومن حينها بدأ الصراع بين القوى اليسارية والقومية وبين التيار الإسلامي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين
وبما أن اليمن كان منقسما إلى دولتين إحداهما محكومة بالنظام الاشتراكي الموالي لموسكو في الجنوب والآخر ذو توجه رأسمالي وهو الشمال فقد ظل الصراع محتدما بين الشطرين من خلال عدة حروب وحينها وجد النظام في شمال اليمن ضالته في الجبهة الإسلامية لمواجهة المد الاشتراكي الزاحف من جنوب اليمن ووجدت جماعة الإخوان ضالتها في نظام علي عبد الله صالح للتمدد والانتشار وبناء علاقة استراتيجية تحالفية بين الطرفين كل منهما استفاد من الآخر.
أ. أما النظام فقد استطاع أن يواجه الفكر الشيوعي اليساري بالفكر الإسلامي.
ب. وأما الإخوان فقد استطاعوا أن يتوسعوا قاعديا وشعبيا في كنف النظام مع الاستفادة من المؤسسات الرسمية, مجالس الشورى والبرلمان والسلطات التنفيذية والمؤسسات التعليمية والمعاهد والمؤسسات الخيرية وغيرها… الخ.
وقد استمر هذا التحالف ما يقارب عقدين من الزمن إلى أن قامت الوحدة وبعد حرب 94م بين ما عرف بالشرعية والانفصال ومن حينا شعر نظام صالح بأنه قد تخلص من الجبهة الاشتراكية وبدأ يميل إلى التفرد بالحكم والتخلص من الحليف الاستراتيجي " الإخوان" وخاصة في ظل المتغيرات الدولية ومحاربة الإرهاب ومن هنا أدرك الإخوان حاجتهم الملحة إلى تحالف جديد أمام التحالف القديم فاتجهوا إلى خصوم الأمس "الاشتراكيين والناصريين والبعثيين" ومعهم بعض الأحزاب الشيعية عبر "تكتل اللقاء المشترك" في مواجهة المؤتمر الشعبي "حزب صالح" وبدأت الصراعات بين الجبهتين تسير في مد وجزر ومناكفات ومكايدات من الطرفين حتى جاء موعد الربيع العربي وخرج كثير من أبناء اليمن إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام أسوة بما جرى في تونس ومصر وليبيا.
وانقسم الشارع اليمني إلى قسمين:
الأول: مؤيد للثورة " المشترك" ومن معهم.
الثاني: مؤيد للنظام الحاكم "المؤتمر" ومن معهم.
واضطر الناس في اليمن إلى القبول –خروجا من الحرب الأهلية- بتسوية سياسية وصيغة توافقية تمثلت في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وانبثق عنها مؤتمر الحوار الوطني الذي شارك فيه حزب الإصلاح بنحو (55) مقعدا من بين (565) معقدا.
هذا ما يتعلق بكبرى الحركات الإسلامية في اليمن وهم التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان"
ثانيا:- السلفيون.
بدأ السلفيون يعرفون بدعوتهم في مطلع الثمانينيات تقريبا بصورة فردية من خلال بعض الشيوخ وطلاب العلم وبخاصة الذين تلقوا تعليمهم الشرعي في المملكة العربية السعودية ومن أبرزهم الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله حيث قام بتأسيس أول مركز علمي في منطقة دماج مقتصرا في نشاطه على علوم العقيدة والحديث واللغة وشيء من التفسير إضافة إلى الوعظ والدعوة ونشر السنة والتوحيد ومحاربة الخرافات والشركيات والبدع وكان لهذه الدعوة قبول لا بأس به في اليمن استطاعت أن تستنسخ بعدها جملة من المراكز العلمية في مناطق شتى من اليمن.
ومع توسع الدعوة ومرور الزمن بدأ الحديث حول تعدد الأنشطة الأخرى وضرورة العمل الجماعي المنظم والعمل المجتمعي الآخر.
وهو ما حدا ببعض طلاب الشيخ مقبل بن هادي الوادعي وآخرين إلى التوجه إلى مسار العمل الخيري من خلال جمعيتي الحكمة والإحسان, إلا أن هذا المسار قوبل بالرفض الشديد من قبل مدرسة الشيخ مقبل وطلابه باعتباره مضرا بالعملية التعليمية ومخالفا لخط الدعوة الذي بدأت به في اليمن ومع مرور الوقت زادت حدت الخلافات حتى وصلت إلى حد القطيعة والتنابز وربما التبديع والتضليل من قبل المدرسة الأولى غير أن هذا الأمر قد تجاوزه أنصار التجديد في العمل الإسلامي واستطاعت الجمعيتان مع ما تولد عنهما من مؤسسات ومراكز ومدراس أن تحدث تحولا نوعيا في المدرسة السلفية حتى أصبح الحال في تنوع العمل السلفي واقعا أوشكت أن تسلم به المدرسة الأولى والتحق كثير من أنصارها إلى مؤيدين ومباركين لهذا التعدد في المناشط كما هو الحال -بعد وفاة الشيخ مقبل رحمه الله- من أهم طلابه وأكثرهم وعيا وإدراكا كمدرسة الشيخ أبي الحسن المأربي "بدار الحديث في مأرب" والتي كان لها دور تصحيحي وتنويري استطاعت من خلاله أن تستقطب أبرز الطلاب إلى جانبها متمثلا في "رابطة الحديث" وما تبعها من المؤسسات والمراكز.
وأخيرا ومع رياح التغيير في الربيع العربي جاء دور العمل السياسي في المدرسة السلفية وبخاصة من أنصار المدرسة الثانية والذي ظل محل إشكال فترة لا بأس بها وغنى عن البيان أن أنصار المدرسة الأولى لن يقبلوا بهذا التحول كما لم يقبلوا بالجمعيات الخيرية سابقا, إلا أن واقع السلفيين وتعدد المدراس واتساع المعرفة في اليمن قد أصبح إلى حد ما لديه القبول والاستيعاب لمعطيات العمل السياسي في الجملة وإن حصل بعض التفاوت في التفاصيل.
حزب الرشاد
ومع وجود التحولات في اليمن ظهر إلى السطح مولود جديد وهو حزب الرشاد اليمني شارك في تأسيسه ثلة من أهل العلم والدعاة والشخصيات الاجتماعية من مختلف التوجهات السلفية, واستطاع في فترة وجيزة -رغم الصعوبة التي واجهته من جوانب شتى- أن يكون حاضرا بقوة في المشهد اليمني السياسي وأن يكون له حضور ملحوظ في الحوار الوطني الذي سوف يكون له تأثير بالغ على صياغة اليمن مستقبلا.
ويعد حتى هذه اللحظة هو الحزب الوحيد الرسمي المحسوب على التيار السلفي في اليمن, ويتوقع أن يكون هناك أحزاب ذات توجه سلفي في المستقبل.
الخلاصة
وخلاصة الأمر أن التوجهات السلفية بمدارسها المختلفة قد استطاعت خلال ما يقرب من ثلاثين عاما أن تحقق ما يلي:-
1. انتشار المراكز العلمية ودور التعليم في عموم مناطق اليمن.
2. انتشار المؤسسات الخيرية والتعليمية كذلك.
3. الحضور السياسي والمجتمعي والإعلامي المتمثل في حزب الرشاد اليمني, وقناتي يسر ورشد الفضائيتين, واللتان سيكون لها بإذن الله دور بارز في التعريف أكثر بالدعوة ورموزها, وشرح صورة الاتجاه السلفي في اليمن على وجهه الصحيح بإذن الله بعيدا عن مدارس الغلو والتفريط وهو ما نرجوه ونأمله من الله سبحانه وتعالى.
ملاحظات عامة.
• يتضح من خلال ما سبق أن المشروع الجامع لفصائل العمل الإسلامي في اليمن لا يزال غائبا رغم وجود مشاريع متعددة.
• لا تزال مسألة التعاون والتنسيق بين مختلف الفصائل ضئيلة جدا تحتاج إلى مراجعة ووقوف جاد وصادق من الجميع.
• رغم وجود مشاريع وأخطار محدقة بالشأن اليمني من القوى العلمانية ذات الولاءات التغريبية والقوى البدعية ذات الطابع الطائفي الموالي لإيران إضافة إلى مشاريع الهيمنة الخارجية إلا أن إدراك المخاطر لدى أغلبية الفصائل لا يزال أقل بكثير من المستوى المطلوب فضلا عن الرقي إلى مستوى الأحداث الجسام التي تعصف بالمنطقة.
• هناك تدني في الخطاب الشرعي لدى بعض الفصائل الإسلامية وترهل مفاهيمي ومنهجي يقابله إغراق في الجزئيات لدى آخرين وسببه العزلة عن الشأن العام والعمل السياسي والاحتسابي على المنكرات العامة مع وجود الكثير من الفوضى التعليمية في مجال العلوم الشرعية لا تزال بحاجة إلى دراسات وتأصيل لمنهجية تلقي العلوم الشرعية وإيجاد منهج متوازن يقوم على منهجية صحيحة تستند إلى منهج السلف الصالح بشموليته واستيعاب للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها باعتباره المنهج الذي يمثل الإسلام بصفائه ونقائه ووضوحه.
• بالرغم من شحة الموارد على جميع الأصعدة إلا أن أنصار المدرسة السلفية في اليمن يحظون بحضور كبير وانتشار واسع خصوصا في مجال الأعمال المسجدية والخيرية.
• هناك قصور ملحوظ لدى أنصار التيار السلفي بشكل عام في التعاطي مع وسائل التأثير المعاصرة بمختلف مناحيها الإعلامية والحقوقية والقانونية والاقتصار غالبا على الوسائل التقليدية ما يبين أن الحاجة ملحة لبلورة وتجديد منهجية الدراسات الشرعية لمختلف المناشط المعاصرة يتم فيها تحرير وتأصيل هذه الآليات بطريقة شرعية ومقاصدية