في دمشق الحرة , في فلسطين الابية , في بورما , كشمير , الإيجور .. وغيرها … وأخيرا في مصر المحروسة , تسقط الدمعات , وتنزف الجراحات , ويستحيل طعم الفطور والسحور علقما مرا في حلق الأمهات الثكالى والأسر الفاقدة عائلها والايتام الفاقدين آباءهم … ترتعد شفاههم ساعة الفطور بتمتمات دعاء من المظلومين الضعفاء ..
انها تمتمات من الشفاه الظماى , عندما يختلط الظمأ بالدموع , ويغشي أملنا الصغير وشاح السواد , ان تستيقظ على اخبار مؤلمة , كل يوم على فقدان شهيد , على تيتيم وليد , على سارق وجلاد .. وكانهم لصوص الحياة .
إن من فرض علينا صوم رمضان هو من حرم الظلم في الأرض وتوعد صاحبه “ألا لعنة الله على الظالمين” , فسبحان ملك الملوك من وصف نفسه بالعدل , فانهمرت دموع عباده من خشيته وحبه ساجدين وراكعين وآمنين بكل مرة يقرؤون “ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون”
فإلى كل مظلوم في رمضان , إلى كل من سرقت فرحته , وبللت دموعه سطح أحلامه الصغيره , إلى كل من سرقت منهم آمالهم فباتوا بحسرتهم بين جدران الفكرالأسيرة ..
إن الظلم ليس وحده هو المصيبة بل إن السكوت عليه مصيبة تكاد أن تفوقه شدة , إذ بها يزداد وينتشر ويقوى , والرضا به مهما اشتد لهي الكارثه الكبرى , فمن رضى به فقد ظلم نفسه ..
مخطئون ولاشك هم من يدفعهم شعورهم بالظلم في رمضان إلى السخط وإلى الفتور في العبادات , فلو أنهم دعوا الله مخلصين لاستجاب لهم فدعوة المظلوم سهم لا يرد , فإن الله ولي الذين آمنوا وناصر المستضعفين في الأرض وجاعلهم أعزة , ومن ظلم نفسه فلا يلم إلا نفسه ” وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون “
على جانب آخر فإن هناك عبادة أخرى في ذلك العام قد تجددت مقتضياتها , شاقة هي بعض الشيء .. لكنها عظيمة الأجر والثواب , ألا وهي رد الظلم والوقوف له بالمرصاد وقول كلمة الحق في وجه كل جائر .
عندما يسرقون من رمضان كل معانيه .. فرحته , لمته للشمل وللأهل , زينته التي اعتدنا أن نراها في الشوارع وعلى المنازل , انغامه التي دائما ما تذكرنا بذكريات لا تنسى , عندما يسرقون منه حرمته للدماء .. وحرمته للفتنه , ويذرون المظلومين في رمضان فاقدي رمضان حياري ..
حدثني عن صديق لا يدري أيذهب ليهنئ صديقه برمضان أم يذهب ليعزيه في استشهاد ابنه مدافعا عن الحق , عن رحمة سرقت من بين قلوب الناس ..
إن رمضان دائما لا يأتي إلا بخير , يكشف الغم , ويجلب النصر , هكذا كتب له التاريخ ذكريات وانتصارات جاءت بقدومه , إلا انه دوما ما صاحبها الابتلاءات الشديدة , فالقيد ابتلاء والظلم ابتلاء والفتنه ابتلاء .. وإن النصر آت لا ريب , وعد , والله لا يخلف الله وعده ..
قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه : ” يوم المظلوم على الظالم اشد من يوم الظالم على المظلوم ” , فابشروا بنصر الله أيها الصامدون , وامسحوا بقايا دموعكم , قوموا لله متضرعين , سجدا وركعا , رب رمضان ورب الناس وهو الذي أضحك وأبكي ..
ستنتصر دمشق , وستتحرر فلسطين , وستعود بورما , وستجفف القاهرة أدمعها الغالية , – إن شاء الله – , إن الحلم بسيط تحقيقه على صاحب القدرة المتعال , والروح ستبقى , مهما انتزعت جوارحها , سيبقى قرآن الفجر غير قابل للسرقة , وتبقى مآذن الجوامع ترفع شعار العدل والتوحيد , سيبقى الصوم صبرا , ويبقى آذان المغرب تدريبا على موعد النصر وفرحته كل يوم ..