كما جاء في التقرير الختامي لدراسة أمريكية متخصصة أعدها فريق مكتب البحوث التربوي المركزي الأمريكي ” إن أهم الملامح لنجاح التجربة اليابانية في التعليم يتمثل في اشراك الوالدين في تعليم الأطفال منذ الروضة وحتى الثانوي , حيث نجحت الأسرة اليابانية في تحقيق العلاقة بين البيت والمدرسة .( إعداد الطفل للمستقبل – 206 )
وتكمن العوامل المهمة في تنمية شخصية الطفل المتفوق فيما توفره الأسرة له من إمكانات ورعاية وتوجيه ونصح ودعم نفسي وتشجيع له .
كما يعتمد كسب المهارات والخبرات الاصلية على مدى اتاحة ذلك في فترة الحضانة الأسرية الأولى , وكذلك على ما تقدمه الاسرة من خبرات خارجية مقننة ومختارة لأبنائها .
ولئن كان تأثير الاسرة في المراحل العمرية الأولية يبدو ظاهرا بصورة أكبر من المراحل الأخرى , فإن هذا التأثير يظل بلا ريب محتفظا بمكانته المتقدمة في حياة الشاب , ولنا أن نعجب من كلمة ترددها غالب نساء العالم لأزواجهن ولو بعد خمسين عاما من الزواج :” كنت في بيت ابي افعل كذا وكذا .. وكان بيتنا به ميزات كذا وكذا ” ..
الحقيقة أن انقطاعا حادا قد حدث بين البيت والمدرسة , وانفصالا بينا ادى إلى تباعد خطي التربية لهما , ماادى الى ضعف أداء كل منهما , واضعف بالتالي قدرة أحدهما على متابعة ومراقبة واستكشاف المجال التربوي للأبناء .
وقد تبدو فرضية – تقول إن الوالدين الأكثر ثقافة غالبا ما يخرجون لنا ابناء أكثر نبوغا ونجاحا , إذا ألحقوهم بمدرسة متميزة تربويا – لأول وهلة فرضية صحيحة , الا أن وقائع تطبيقية تنبئنا أن كثيرا من المتفوقين والنابهين والناجحين لم يتربوا لأبوين مثقفين بدرجة متميزة عن الآخرين , غير أن اسرهم جميعا كانت تهتم برعايتهم وتدعمهم نفسيا , وتجعلهم محور رعايتها ومراقبتها , بل في بعض الدول النامية يمكنك أن تلحظ كثيرا فرضيات تقول : غن كثيرا من الناجحين كانوا لأبوين أميين لا يستطيعون القراءة والكتابة , لكنك إذا دققت أكثر ستجد أن هذين الوالدين قد أحاطا ابنهما بالعطف الكامل والحنان المطلوب والتقويم الدائم وبما لديهم من خبرات حياتية إيجابية .
وليسمح لي القارىء بأن أبدي شغفي بأن أعرض نتائج دراسة قيمة قام بها البروفيسور محمد الحوراني مع مجموعته البحثية , والتي نشرت في مجلة البحوث التربوية والتي حاولت رصد الشروط التي قد تسهم في حال توفرها في النمو المتوازن للقدرات لدى المتفوقين علميا و حيث لخص النتائج كالتالي : ( رعاية المتفوقين عقليا – 66)
أولا : أن النمو العقلي للمتفوق لايمكن أن يحدث إلا من خلال التفاعل المتبادل بينه وبين محيطه الخارجي وما يحويه من مؤسسات للتنشئة والرعاية ( البيت والمدرسة بالخصوص )
ثانيا : إذا توافرت شروط الحماية الانفعالية الخارجية كالمودة والمحبة والثقة والطمأنينة فإن المتفوق سينمو إلى اقصى درجة مما تسمح به قدراته اعتمادا على نشاطه الذاتي ويكون اكثر جرأة ورغبة في المبادرة , وأكثر قدرة على التحكم في الشروط الداخلية والخارجية الناسبة للنمو العقلي والتفوق والتميز
ثالثا : يستطيع المتفوق عقليا أن يوسع باستمرار مداركة عن طريق التفاعل الإيجابي مع بيئته الاجتماعية – القريبة – وما تقدمه له من مؤثرات ومثيرات
رابعا : يعد المحيط الاجتماعي المصدر الأول والأساسي لأنشطة المتفوقين عقليا ولأهدافهم المختلفة , فالأفراد القادرون على الاستفادة من مثيرات محيطهم الخارجي ويستطيعون استثمار ذلك بذكاء يكون بمقدورهم اكتشاف اساليب التعامل بأنفسهم والتي لم يتعلموها ممن يقومون على تربيتهم وتعليمهم
خامسا : إن تشجيع الاسرة لهؤلاء الأفراد الأذكياء ليوسعوا محيطهم المعرفي بأنفسهم من خلال إطار متابعة موجه , يساعدهم على إيجاد فرص تعليم وتواصل أوسع وينمي قدراتهم الإبداعية بدرجات كبيرة
وللحديث بقية إن شاء الله