ولا أقول هذا عمن كان ديدنه السرعة أو البطء في كل أحواله , بل أقوله عمن يبخل عن أداء حركات في الصلاة حينما تكون غير محسوبة من عدد الركعات , فهل هذا العمل بهذه الكيفية يعد من حُسن خلق المسلم في تعامله مع ربه سبحانه ؟ بل هل هذا المظهر من البخل يليق بأن يصدر من الفقير في تعامله مع الغني الكريم ؟ وهل يظن أحدنا أن الله يخفي عليه شيء من أمرنا وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ؟ .
إن الله غني عنا وعن عبادتنا جميعا , فلا تنفعه منا طاعة ولا تضره منا معصية بل من أهل الأرض جميعا , فيقول سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ” .. يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ..” .
بل إنه من الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل كله – مهما بلغ أو كثُر – لن يكون سببا حتميا ولا جازما بدخول العبد الجنة ونجاته من النار إلا إذا تفضل الكريم سبحانه علينا برحمته , فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ ” قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ” وَلاَ أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ .. ” .
إن هذا التصرف لا يليق من فقير ينتظر عطاء غني من أهل الأرض , فكيف بأفقر الفقراء مع أغنى الأغنياء الذي قال سبحانه ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ” ولو تصرف الفقير بنفس الكيفية مع غني من أغنياء الدنيا لمقته وغضب عليه فكيف برب الأرض والسماء ؟!! .
ولقد تواتر في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة أن الجزاء من نفس جنس العمل , فقال سبحانه ” فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ” و ” نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ” و ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ” , وفي السنة الصحيحة ” فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ” و ” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ” , فهل يقبل المسلم أن يعامله ربه بمثل معاملته تلك ؟
إن غاية أمنية للمسلم أن يحاسبه الله برحمته لا بعدله , فلو حاسبنا بعدله وبما نستحقه لهلكنا جميعا , فهل نقدم نحن في عبادتنا لله هذا العطاء البخس المبتور الذي لو عاملنا الله بمثله لما نجا منا أحد ؟ .
إن السنة النبوية المطهرة في هذا الموقف هي التصرف الذي يرضى الله سبحانه , ان يسر المرء في سكينة ويدخل في صلاته في وقت إدراكه للإمام وعلى الكيفية التي يجده عليها دونما انتظار لاحتساب ركعة أو عدمها , فالله غني كريم ولا ينبغي للعبد ان يبخل عند تقديمه عبادته لربه سبحانه , فمن يبخل فانما يبخل على نفسه , وهذا نصحنا به ففيه الهدى والرشاد , فيروي الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ” لَا تَأْتُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ” .