أسأل الله أن يثيبك على حرصك على البر بوالدك، ويجعلك وإخوتك قرة عين له.
أيتها الكريمة: إن كنت تكرمين والدك وتطيعين أمره فليس في الأمر عقوق إن شاء الله، لكن ثمة مشكلة، فوشيجة الأبوة والبنوة تقرب بين الأبناء والآباء، وتكسر حدود الرسميات. كما ذكرت سبب التباعد بينكم هو كثرة غياب الوالد حفظه الله، ولا شك أن كلا الطرفين متضرر من التباعد الشعوري هذا، لكن التقريب بينكم أمر ممكن إن شاء الله. وأول الخطوات هو شعوركم وإشعاركم والدكم كذلك أنكم تقدرون جهده في العمل لتوفير احتياجاتكم، والتخلص من إحساس أن وجوده وغيابه سواء لأن أخاكم يحل محله في توجيهكم وتلبية طلباتكم، فقيمة الأب ليست بسعيه في توفير ما تطلبونه وإن كان ذلك جزء من مسئولياته، وإلا فما الفرق بين من كان أبوه حياً، واليتيم الذي تكفله إحدى الجمعيات الخيرية؟
كذلك ينبغي ألا تنتظروا أن يبادركم والدكم بالحديث، أو السؤال عن احتياجاتكم، بل لابد من المبادرة بالتبسط معه في الكلام، وإظهار الحفاوة بوجوده، وترتيب البرامج الاجتماعية المناسبة، والطلعات وما شابه، ويمكن الاستعانة في ذلك بالوالدة والأعمام مثلاً. كذلك يمكن الاتفاق على أوقات تحادثونه فيها أيام سفره عن طريق سكايب أو غيره من برامج التواصل للتعويض عن غيابه.
كذلك يستحسن إدارة حوار مع أخيكم ووالدكم إن أمكن، لتحديد السبل المناسبة لتعويض بعده عنكم، وتخيف وطأة الغربة عليه.
أما موضوع مقاطعته لكم فلم تذكري التفاصيل لكن اعتذروا له واستسمحوه واسترضوه في أقرب وقت، وإن كنتم تظنونه قد أخطأ عليكم فللوالد حقه الذي يجب أن يعرف، ومن كثر إحسانه يتغاضى عن إساءته، فكيف إذا كان والداً؟ (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي)، فذلك سبيل من أناب، أسأل الله أن يجعلك من المنيبات وأن يؤلف بين قلوبكم، ويربط بينكم برباط التواد والتراحم.