المسألة من مهمات المسائل المعاصرة، ولمسيس الحاجة إليها، رغبت أن أقف على أطرا ف المسألة ووسطها علّنا نصل في نهاية المطاف إلى التوصل إلى قول سديد فيها –إن شاء الله-فأقول مستعيناً بالله متوكلاً عليه([1]).
صلى الله عليه وسلم جعل هذه المواقيت على طرق الناس المسلوكة إلى مكة، والمعروفة حينئذٍ، فجعل على طريق أهل المدينة (ذا الحليفة)، وهي تبعد عن مكة (430) كيلاً، وجعل على طريق الساحل الشمالي (الجحفة)، وتبعد عن مكة (186) كيلاً، وعيّن لأهل اليمن والجنوب عمومًا (يلملم)، ويبعد عن مكة (90) كيلاً، وحدّ لأهل نجد (قرن المنازل)، وتبعد عن مكة (80)، كيلاً، ووقّت (ذات عرق)، لأهل العراق، ثم وقتها عمر رضي الله عنه وهو لا يعلم بتوقيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتبعد عن مكة (80) كيلاً، وذكرت حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليلاً على ذلك([2])، وهذه المواقيت إنما هي نقاط لإعلام القاصدين ببدء النسك ووجوب الإحرام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما فائدة هذه المواقيت: وجوب الإحرام من هذه المواقيت"([3])، لذا فإنه ليس لهذه المواقيت قدسية خاصة لذاتها، وإنما الغرض منها الإعلام والتنبيه فقط1- صلى الله عليه وسلم2- 1- صلى الله عليه وسلم لم يُعين مواقيت في الجو لأن الطائرات لم تكن موجودة في عهد النبوة ولا متصورة، فلا يَصدق على أهل الطائرات أنهم أتوا الميقات المحدد لهم لا لغة ولا عُرفًا، لكون الإتيان هو الوصل للشيّ في محله([8]).
2- 3- 4- رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يُسن للإحرام، إذ هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة ويوافقه المعقول ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم([11]).
1- صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجُحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله"([13]).
2- رضي الله عنه ، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا فقال: (انظروا حذوها من طريقكم)، فحدَّ لهم ذات عرق"([14]).
صلى الله عليه وسلم ولم يتخذها ميقاتاً ولو كانت من المواقيت لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما مع قرب موقعها ووضوحه وأهميته([15]). رضي الله عنه : "انظروا حذوها"([22])؛ أي: "اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها"([23]).
1-

أمر ينبغي التنبيه إليه والذي يظهر مما سبق أن مسافة (المحاذاة) مُناطة ببعد البقعة عن مكة وليس ببعدها عن الميقات المجاور؛ وإذا فُهم هذا جيدًا عُلم أن (المحاذاة) إنما تعني: اختراق محيط المواقيت
الأدلة الدالة على إثبات أن جدة ميقات صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قرنًا شق علينا، فقال: "انظروا حذوها"([26])، من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق"([27]).
صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليُتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمة البيت العتيق سواء كان طريق الحاج برًا أو جوًا، ثم إن الإتيان متحقق في المرور به مع عقد نية الدخول في النسك، ويصدق على راكب الطائرة أنه مرّ بالميقات إذ لا يشترط في المرور المماسّة([31]).
رضي الله عنه المتقدم في توقيت ذات عرق حيث قال "انظروا حذوها"([32])، أي حذو قرن المنازل. و أما كون الميقات في جو السماء أو لجُة البحر فلا إشكال فيه، إذ الشريعة جاءت لكل الأزمان، والله لا يخفى عليه صنع تلك الطائرات والسفن فهو القائل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ([33])، وأما خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر سنن الإحرام فإنها تُقدم قبل ركوب الطائرة؛ لأنه إذا تعارض عندنا الإحرام قبل الميقات أو بعده فيقدم الإحرام قبل الميقات، ولا ريب؛ لأنه جائز بدون تعارض مع الإحرام بعد الميقات فكيف إذا تعارض([34]).
بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعلها ميقاتًا لكون جهتها غير مأهولة بالسكان ولم يكن حينذاك مسلمون في جنوب مصر وشمال السودان وجهتهما في أفريقيا · · حاذيت بين الميقاتين، وتبين لي أن جدة يمرُّ دونها من جهة مكة خط المحاذاة بين الجحفة ويلملم، وأن جدة تبعد نفس المسافة التي يبعد عنها ميقاتي يلملم والجحفة عن مكة، كما هي موضحة في الشكل في الصفحة التالية
· رضي الله عنه السابق الذي سأل فيه أهل العراق الفاروق رضي الله عنه أن يجعل لهم ميقاتًا لكون قرن جور على طريقهم، وإنهم يشق عليهم، فقال لهم: "انظروا حذوها"، فلو جاءنا أهل السودان اليوم وقالوا لنا: إنه شق علينا الذهاب إلى يلملم أو إلى الجحفة لسبب أو لآخر، لا شك أننا سنحذوا حذو الفاروق رضي الله عنه وسنقول لهم: انظروا حذوها وبلدًا على طريقكم تكون مسافته من مكة تساوي مسافة ميقات يلملم أو الجحفة من مكة، وبحثنا في طريقهم ونظرنا في أرض الواقع الجغرافي فوجدنا أن جدة ينطبق عليها ذلكم الوصف، فتعين اعتبار جدة ميقاتًا إضافيًا· · ([1]) بعض المقتطفات التالية من كلام الشيخ عدنان محمد العرعور، في رسالته الموسومة بأدلة إثبات أن جدة ميقات، الناشر: دار الثقافة الإسلامية للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، عام 1415هـ، ص (5-22) بتصرف وتلخيص وزيادت.
شرح العمدة (2/339).
العدة شرح العمدة (1/161 انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، سنة النشر 1415هـ – 1995م، (4/491).
وممن قال به الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، والدكتور محمد الحبيب بن الخوجه، والشيخ عبدالله كنون من المغرب، و الشيخ عبد الله الأنصاري من قطر، ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف في تصحيحها لفتوى جعفر بن أبي اللبني الحنفي بجواز تأخير إحرام الأفاقي إلى جدة وغيرهم، انظر: انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي في العدد الثالث الجزء الثالث الدورة الثالثة بحث الإحرام من جدة لركاب الطائرات في الفقه الإسلامي، لعبد الله بن زيد آل محمود، وهو منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي ص (1453) لمحي الدين قادي انظر بحث جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحرية (3/1607
انظر جواب أحمد محمد جمال وعبد الله البسام في مناقشة المسألة في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (3/1637
انظر بحث من أين يحرم القادم بالطائرة جوًا للحج والعمرة، لمصطفى الزرقا، وهو كذلك منشور في مجلة الفقه الإسلامي (3/1437)
نفس المرجع السابق وممن قال به الشيخ عبد الله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية سابقاً، و الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام السعودية سابقاً كما في مجلة المجمع (3/1613)، و الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء حالياً، كما نقل ذلك عدنان عرعور في رسالته أدلة إثبات أن جدة ميقات ص (40)، و الشيخ أبو بكر محمود جوفي عضو المجمع الفقهي كما في مجلة المجمع الفقهي (3/1613)، القرار الثاني بتاريخ 10/04/1402هـ.
).
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/566)، رقم (1458)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/840)، رقم (18).
قال في معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، تحقيق: مصطفى السقا، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، عام 1403هـ، (1/371) عن جدة :(هي ساحل مكة )، فدل على وجودها منذ القدم وممن قال به أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثالثة، كما في مجلة المجمع الفقهي 3/1613 ، القرار الثاني بتاريخ 10/04/1402هـ.
وممن قال بهذا القول الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس محاكم قطر، كما نقل ذلك عدنان العرعور في رسالته: أدلة إثيات أن جدة ميقات ص (40)، وهذا القول أيضًا قال به عدنان العرعور في رسالته هذه ص (40)، وقد ذكر جملة من العلماء قالوا بهذا القول ثم قال: (منهم من قال بذلك مطلقاً ومنهم من قال هي ميقات لمن اتخذ من غربها مباشرة)أ.هـ القاموس المحيط، مادة (حذا)، (1/1643).
لسان العرب، مادة (حذا)، (14/169).
المصباح المنير (1/126 انظر: النهاية في غريب الأثر (1/100)، شرح العمدة (2/336).
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/556)، رقم (1458 فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/389).
شرح العمدة (2/336 أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/566)، رقم (1458)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/840)، رقم (18).
أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/556)، رقم (1458 أدلة إثبات أن جدة ميقات ص (30).
أدلة إثبات أن جدة ميقات ص (31).
أدلة إثبات أن جدة ميقات ص (33-34).
بحث جواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحرية (3/1607)، من مجلة مجمع الفقه الإسلامي أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/556)، رقم (1458 الآية رقم (8)، من سورة النحل.
انظر: مجلة مجمع الفقه (3/1640).
المرحلة: هي مسير الراكب خلال يوم، وتقدر بـ (40-50) كيلو متر.
(1/525).
المحلى لابن حزم (7/78 من كتاب أدلة إثبات أن جدة ميقات ص (37)، بتصرف.