روى مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: كنا عند رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر. فتمعَّر وجه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لما رأى بهم من الفاقة. فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى آخر الآية: (إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء: 1)، والآية التي في الحشر: (اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله) (الحشر: 18). تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة. فجاءه رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب. حتى رأيت وجه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يتهلل كأنه مُذْهبة. فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) ([1]).
خامساً: تربية النبي "صلى الله عليه وسلم" أصحابه على الإحساس بمشكلات الناس وآلامهم: فما أقسى الإنسان الذي يرى الملهوف أو الفقير يقاسي آلامه، وهو يستطيع أن يساعده، ثم يعرض عنه! وتأمل قول النبي "صلى الله عليه وسلم": (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) ([4])، بل إن النبي "صلى الله عليه وسلم" دعا بالخيبة والخسران على من قصَّر في ذلك؛ فقد صح عن النبي "صلى الله عليه وسلم"قوله: (خاب عبد وخسر لم يجعل اللهُ – تعالى – في قلبه رحمةً للبشر) ([5]).
يا الله! أيحدث هذا في بلاد المسلمين، وكثير منا لم يتمعَّر وجهه لحالهم، ولم يحدث نفسه لاستنقاذهم، ولم يسعَ لنصرة إخوانه (ولو بشق تمرة)!